كانت في قريتنا طاحونة واحدة كانت مصدر رزق وفخر لصاحبها والكل يعرفها بل ويسمع صوت ما كينتها المزعج ولا علم لي بطاقتها الإنتاجية لصغر سني في ذلك الزمان . اليوم لا اعلم عدد الطواحين بقريتنا ويبدو انه في كل حي واحدة أو أكثر.
وكان في قريتنا بصان سفريان يذهبان للخرطوم يوميا يقوم معظم الناس لذهابهما وإيابهما ، المسافرون والمودعون والفراجه والراصدون لحركة القرية من العاطلين والطفيليين والباحثين عن ( الشمارات ) . اليوم لا احد يعرف عدد الحافلات الجميلة المريحة التي تخرج من القرية يوميا ولا من هم أصحابها ولا احد يسال رائحا او قادما عن موضوع سفره الكل في شانه.
شيخ الحلة كان لا يُنادى إلا بشيخ فلان وكانت له سلطة اجتماعية وتنفيذية ومكانة في القرية وتتعداها الى المنطقة ، اليوم شيخ الحلة حلت محله لجنة بها عشرات الرجال يتبارون في خدمة القرية ويتبادلون الأدوار بعد كل دورةٍ مع غيرهم.
في مطلع سبعينات القرن الماضي وعند دخول الإرسال التلفزيوني لولاية الجزيرة كان في قريتنا جهاز تلفزيون واحد في النادي تتجمع كل القرية حوله وعلى ما اذكر كان الدخول بتذاكر، أو اشتراكات للأعضاء لزوم جازولين المولد الكهربائي. اليوم لا احد يعلم عدد التلفزيونات في القرية، هذا إن لم اقل عدد التلفزيونات في بيته.
وعلى مستوى أعلى مالي أرى الخرطوم لا تريد أن تغير (بصاتها) القديمة ولا (طواحينها). نفس طواحين ستينات القرن الماضي تصر على أن تعمل وبنفس تكنولوجيا تلك الأيام وبنفس علو الصوت وقلة الإنتاج وتصر على ان طواحين الأمس لا بديل لها وكل التكنولوجيا التي جاءت بعدها خفيفة ومستهلكة وحجارتها صغار ولا طريقة للطحن الا بتلك الحجارة الضخمة التي ترفع بالونش وتلك الماكينة كثيرة الازعاج التي لا تستطيع ان تحدث جارك بالقرب منها والتي تبرد بحوض ماء ضخم.
طواحين الخرطوم القديمة أين يجدون لها قطع الغيار هذا ما يحيرني، وكل علمي أن الشركة المصنعة لتلك الطواحين قد راحت ومنذ زمن في خبر كان وذهب باقي إنتاجها للمتاحف.وأنا أسال هذه الأسئلة جاءني من يقول لي ما عاد لهذه الطواحين زبائن إلا المقربون وأصحاب البيت وكل أهل الخرطوم صاروا يطحنون في الطواحين الجديدة او يشترونه جاهزاً من المطاحن ولكن أصحاب الطواحين لا يعلمون.
اكتوبر 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق