السبت، 25 يوليو 2009

الشكر الجزيل لوزارة المالية

نعم، وبملء أفواهنا نريد أن نقول لوزارة المالية شكراً رغم الضرائب ورغم الجمارك والجبايات التي تصلها والتي لا تصلها. ورغم البترول الذي لم نذق طعمه ومازلنا نشتري البنزين بالسعر العالمي، رغم كل ذلك نريد أن نقول لوزارة المالية شكراً «فابقوا معنا».
الصفحات مدفوعة القيمة في الصحف محل شك دائماً، وما أن تجد على رأس الصفحة «مادة تسجيلية» أو«متابعات». أو صفحة يحررها إعلام كذا إلا ويتملكك شعور بأن هذه صفحة دعاية وستكون كلها «أبيض» وستكيل المديح لنفسها على طريقة «شكارتها دلاكتها». غير أنني في ذلك اليوم وفي آخر صفحة إعلام وزارة المالية بـ «الرأي العام» -لازم نكتب الغراء بل بيضاء الوجه كله- في آخر الصفحة وجدت تصريحاً للدكتور عبد المنعم الشفيع استشاري العظام المشهور جداً يقول فيه ما معناه إن وزارة المالية وفرت لهم جهازاً حديثاً يقفز بجراحة العظام عالياً فالعملية التي كانت تستغرق الساعات الطوال صارت تُجرى في أقل من ساعة والمريض الذي كان يجلس بعد العملية «6» اسابيع صار يمشي بعد «48» ساعة فقط وانتظار الفقراء الذين لا يستطيعون فواتير المستوصفات الخاصة -وهذه لنا معها وقفة قريباً- سيتقلص انتظارهم من شهور لأيام في عنابر العظام كل ذلك بفضل من الله ثم بفضل جهازٍ وفرته وزارة المالية وسعره «10» ملايين دولار «فقط». ما أبرك هذه الملايين العشرة!!
اقتصادياً سنجني ثمرته وسيرجع المبلغ لوزارة المالية مباشرة أو غير مباشرةً، من يحسب معي الطاقات المعطَّلة التي ستدخل في جسم العمل بعد تقليص الشهر ونصف الشهر ليومين؟ كم عدد الذين سيجلسون مع المريض هذه الشهور وكم فاقد طاقاتهم؟على كم من مكاتب الدولة سيتسول الفقراء ليجدوا مبلغ العلاج؟ وهل ستمنحهم هذه المكاتب؟ كم من المقتدرين سيسافر بالعملات الاجنبية للعلاج بالخارج، وقد يقوم بالعلاج سوداني والمريض سوداني، وقد يقول متفرج ما أخبل هؤلاء ماذا ينقصهم غير بيئة عمل وأجهزة؟ وصراحة إن لم نشارك الأخ الاكبر أو العم استشاري العظام هذه الفرحة وهذا الشكر نكون قوماً جاحدين ولا يعرفون غير تصيد الأخطاء و«النقة» ولا يقولون لمن أحسن أحسنت؟ وهذا أدنى معروف يقدم لهم بعد قوله صلى الله عليه وسلم «من قال لأخيه جزاك الله خيراً فقد كافأه» جزاكم الله خيراً، الأخوة في وزارة المالية. في رأيي هذا منهج صحيح وليس أصح منه غير مشاريع كلية للمياه حتى يشرب كل الناس ماءً نظيفاً ولا يضيع صغير يومه خلف جرعة ماء ولا يتسوَّل متسول بجركانة على الطريق العام يطلب سائقي الشاحنات ماءً أعطوه أو منعوه ويا له من منظر يقطع القلب أن ترى صغيراً على طرف طريق يمسك بجركانة صغيرة يرفعها بساعد نحيل يصيح «موية موية».
على هذا الدرب فلتسر وزارة المالية لتعوض المليارات التي انفقتها في شراء السيارات الفارهة لأشخاصٍ معدودين بعد أن ترجلوا عنها وجدوا فرقانهم بلا ماء وأهلهم يشربون من البراميل والأخراج على ظهر الدواب. وأخيراً علموا إن كل «سيارة فارهة = بئرين».
أخيراً شكراً وزارة المالية وجزى الله خيراً كل من سهَّل أمراً عاماً كهذا؟
2/12/2004م

ليست هناك تعليقات: