كُتب في: 2007-11-27 الصحافة
* في منتصف سبعينيات القرن الماضي ومايو في أسوأ حالاتها.. كان هناك بص من ماركة كومر مكتوب على جانبيه بخط عريض «جمهورية السودان الديمقراطية- معهد الكليات التكنولوجية» أو شيء من ذلك القبيل، في وقت السودان بينه وبين الديمقراطية بعد المشرقين والمغربين، والوقود معضلة ناهيك عن التكنولوجيا.. مرَّ البص من أمامنا ونحن طلاب في كلية التربية، وما كان من أستاذنا- يومها- البروف اليوم محمد حسن سنادة، إلا أن علق بلطف «بالله شوف البص ده شايل كم كذبة؟».
* ومن يومها تخزن في باطن عقلي أن لا اصدق اللوحات واللافتات، إلا بعد أن أرى ما بداخلها.
* أمر شبه يومياً وأقرأ لوحة مكتوب عليها «دار مصحف أفريقيا» وأتخيل أن مطبعة كمطابع السوق العربي أو المنطقة الصناعية بحري، تربض داخل هذه المباني، وربما يسرح بي الخيال وأرى كوماً من الأوراق وعمال الحبر الأسود على سواعدهم ووجوههم. «هذه صورة المطابع التي رأيتها وهكذا رسخت.. هذا غير إخلاف الوعد بانجاز المهمة في وقتها، وأعذار سوء الطباعة والبلد كلها كده».
* برفقة طيبة مع صديقي الأستاذ حمد العاصم مدير الشؤون الاجتماعية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي ومكتب الخرطوم، تشرفت بزيارة مصحف أفريقيا في الأسبوع الماضي. واستقبلنا الدكتور حسن محمد علي بوجهه الطلق وصدره الرحب- رجل يعرف ما يريد أن يصل إليه، وهذا ما نفتقده في كثير من الـ: «.......» «يا أخي كفاهم هريتوهم هري».
شرح لنا الدكتور حسن حاجة البلاد وجيرانها للمصحف، وكيف أن النقص مريع ومهول، ومهما فعلت مطابع مصحف المدينة المنورة التي أنشأها المغفور له بإذن الله الملك فهد بن عبد العزيز، فلن تروي عطش المسلمين للمصحف.. هذا غير ما تقوم به الدار من طباعة المصحف بروايات يُخشى عليها من الاندثار، مثل رواية الدوري مثلاً، واجتهادات أخرى لطباعة معاني المصحف بلغات محلية مثل الشلك والنوير.
* وبعد هذا الشرح طاف بنا الدكتور حسن مدير الدار على المطابع.. ويا لهول ما رأيت- ما شاء الله- كأنك خارج السودان، خطوط إنتاج في غاية الروعة، وعدد قليل من العاملين عليها، ماكينات طباعة معظمها رقمي وحديث وألمانية الصنع، مكان الطباعة في غاية النظافة، مما يدلل على مهنية عالية «إنهم يطبعون كلام الله.. ويبدو هذا شعور كل من يعمل في هذه الدار، أنه يتعبد قبل أن يتكسب».
* وبقي أن أقول طباعة المصحف ليست بالأمر الهين، وليست كطباعة الصحف التي عمرها يوم واحد.. يراجع المصحف لا أقول كلمةً كلمةً ولا حرفاً حرفاً، وإنما أدق من ذلك بكثير، بل يراجع حركةً حركةً، حتى يخرج خالياً من كل عيب طباعي أو تصميمي.
* وصراحة بقي كثير مما يجب قوله عن هذه الدار، ولكن مساحة عمودنا لها حدود، ولا تحتمل أكثر من ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق