الاثنين، 1 يونيو 2020

العزاء في السودان يحتاج وقفة


العزاء في السودان يحتاج وقفة

 

لا أنسى ذلك اليوم الذي طلب مني ابن خالتي أن اذهب معه وصديق ثالث ليؤدي واجب العزاء في مدينة تبعد عنا 309 كلم. كم ساعة مكثت الرحلة حتى وصلنا بيت صديق ابن خالتي في تلك المدينة ليس أقل من أربع ساعات ذهاباً ومثلها إياب. كم مكثنا بعد ان رفعنا أيدينا بالفاتحة التي لم تأخذ الا نصف دقيقة. كم كمية الوقود التي حرقناها لنقول (الفاتحة)؟

قطعاً استحسن صديق ابن خالتي هذه المجاملة وكذلك شكرنا ابن خالتي على مجاملتنا له ونحن لا نعرف المُتوفى ولا أخيه. كم من الأعزاء القراء مارس هذه المجاملة دون حسابات للزمن ولا الجهد المالي ولم يفكر في البدائل.

انا لست مع (ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن) فهذه قسوة وجلافة لا يحتملها الطبع السوداني الرقيق. ولست ضد العزاء عموما أي في الدوائر المحلية في حدود المعقول القرية وما جاورها من قرى في دائرة نصف قطرها  25 كلم لا بأس وربما تزيد في بعض الحالات الخاصة. وفي المدينة الواحدة مهما بعدت الاحياء.

لكن ان يسافر ابن آدم او مجموعة من بورتسودان لعزاء في الجنينة او نيالا ليرفعوا الفاتحة فهذا ما لا يقبله عقل سليم والحياء هو ما يجعله غير مطروحاً للنقاش. يبدو ان أهلنا في شمال السودان حسموا هذه المسألة فكثيراً ما سمعنا انهم احتجوا على أسلوب أداء العزاء عبر المسافات البعيدة وعوضوه بالمجاملة المالية.

لن أتطرق الى ظاهرة مُجمعٌ على سوئها هي ظاهرة خروج الموظفين اثناء ساعات العمل الرسمية لأداء واجب العزاء بالسيارات الحكومية وفي الزمن الرسمي الذي هو للمواطن. فهذه يجب محاربتها بقرار ولتكن مجاملتهم بعد نهاية يوم العمل.

أعود لقطع المسافات الطويلة لرفع الفاتحة لماذا لا يستعاض عنها بالرسائل ما الفرق بين ان يكتب لك أحدهم او يقول لك بالصوت: احسن الله عزاءكم وغفر الله لميتكم واللهم ادخله الجنة بغير حساب. وبين ان يقف امامك ليهمهم بكلمات لا تسمعها.

سيرد عليّ كثيرون يقولون هذه من سجايا المجتمع التي يجب المحافظة عليها والعض عليها بالنواجذ. لم ارفضها كلياً ولكن تحتاج معقولية لا تفقد المجتمع خصائصه ولا مبالغة فيها. أكثر من مائة كيلو هذه لا أرى لها وقعا من الناحية الاقتصادية ولا الاجتماعية.

كل هذا عادات اجتماعية لم تعرض على الشرع فشرعاً المسلم مطالب بتشيع الجنازة والصلاة عليها (من شيع جنازة فله قيراط ومن شيعها وصلى عليها فله قيراطان والقيراط مثل جبل احد).

لا نجد مأتماً خلا من المعزين من الأقارب والجيران فلماذا تكبد مشاق مئات الكيلومترات لرفع الفاتحة؟ ترون أنى لم اتطرق للصرف المالي في ضيافة المعزين والذي صار شاقاً مع أزمات الخبز (وغلائه لا داعي لها) وندرة الوقود.

من يراجع هذه العادات الاجتماعية ويخضعها للمنطق بعيداً عن العواطف؟

السوداني مارس 2020

ليست هناك تعليقات: