بتاريخ : الخميس 21-07-2011 09:01 صباحا
كنا نستمتع بسماع الشعر وقراءته وكان المغنون في ذلك الزمان يتنافسون في تقديم الكلمة الرصينة والشعر الحقيقي. تنافس المغنون السودانيون في أغنية الشعر الفصيح وضربوا لذلك أكباد الإبل ليُسمِعوا الناس شعرًا حقيقيًا من شاعر سوداني أو من شعراء دول الجوار.. غنى العاقب للأمير عبد الله الفيصل وغنى ابن البادية للشاعر الفلسطيني حبيب القاضي وملك الكلمة العربية الفصيحة الكابلي أشبع الساحة شعرًا رصيناً وكثيرون نقبوا في الشعر العربي الفصيح والسوداني ليقدموا للمستمع شيئًا يستحق أن يجلس للاستماع إليه.. وغنى وردي «لم يكن إلا لقاءً وافترقنا» هل يستطع أن يغنيها اليوم؟
أما صاحبنا اليوم صاحب العنوان أعلاه فجاء بقصيدة للشاعر المصري محمد علي أحمد.. وقبل أن أعرف شاعر الأغنية كنت أحسبه الرائع عوض حسن أحمد شاعر صغيرتي وكنت طالبًا في الجامعة وكان مدرساً في محمد حسين الثانوية، لم أقابله وبعثت إليه برسالة مع أحد الأصدقاء الذين كانوا يقضون التربية العملية معه «يا حليل التربية العملية» كتبت أبدي فيها إعجابي بأغنية هل أنت معي؟ فكان أن رد عليّ، الأغنية ليست لي وإنما لشاعر مصري اسمه محمد علي أحمد.
ما الذي استوقفني في الأغنية في ذلك العمر؟
كان لهذه الصورة التي يقول فيها الشاعر «وأنا الصّاحى أرى فى النور أشباح الظلام» وقعاً غريباً في نفسي. المعهود أن يرى الناس النور في الظلام ولكن صورة الشاعر وهو صاح ويرى بقع من الظلام في النور الأمر يحتاج إلى وقفة.
القصيدة كلها رائعة وممتعة ويزيدها إمتاعاً أداء الراحل عبد العزيز محمد داود «أليس كذلك يا بروف محمد عبد الله الريح؟» ولولاه لما سمعنا بها ولما بقيت.
بالله تأملوا هذه الكلمات وتخيلوها بصوت الفنان عبد العزيز محمد داود وقارنوها بما تسمعون هذه الأيام.
«همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي
وخيالات الأماني رفرفت في مضجعي
وأنا .. بين ضلوعي .. لا أعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
وتوالت ذكرياتي .. عطرات ... بالهوى
كان لي في عالم الماضي غرام ... و انطوى
كان لي في الأمس أحلام وشوق وحبيب
كان للجرح طبيب ... لا يدانيه طبيب
كان ... ما كان ... وبتنا كلنا ناء غريب
سكر السمّار ... والخمّار في حان الغرام
وأنا الصّاحي أرى في النور أشباح الظلام
وغدت كأس ي على راحي ... بقايا من حطام
عادني الوجد إلى ليلى ... وكأسي المترع
وسعير الحب يشقيني... ويشقي مضجعي
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معي؟
«الدنيا نت وايميل عسولي آت هوت ميل»
بالله هل من مقارنة بين هذا وذاك شعرًا ورجولة وقوة صوت، لهذا بقي ذاك الغناء عشرات السنين وتطاير هذا كفقاعات الصابون.
لا ابكي على ماض تولى ولا أحن لماض إلا في الغناء الجميل وما مرد ذلك إلا انحطاط الساحة الفنية طبعًا بمقاييس جيلي ربما هم في غاية الانبساط من يدري؟
الاستفهامات كده أحسن بلا اتصالات بلا قطن أليس كذلك؟
هناك تعليقان (2):
كان لي للجرح طبيب لا يجاريه طبيب
الا الغصة في الحلق
إرسال تعليق