السبت، 2 يوليو 2011

بارا أَوْلى برمالها

بتاريخ : الجمعة 01-07-2011 09:12 صباحا

رمية:
زارعنه في بارا و شايلنه الجمالا
زولاً ستر حالا في الغربة البطالا
مدينة بارا واحدة من أجمل مدن كردفان وأعرقها على الإطلاق، تتمتع هذه المدينة الصغيرة بميزات قلّ أن تتوفر لموقع واحد، فهي تقوم على حوض جوفي يحتوي مليارات الأمتار المكعبة من المياه الجوفية العذبة، كما أنها منطقة زراعية كانت تسهم بقدر كبير من إنتاج الخضر والفواكه للسوق المحلي في الولاية حتى وقت قريب. بارا اشتهرت بروعة الطقس والهدوء وجمال أهلها وسماحتهم، وهي تصلح لأن تكون منتجعاً سياحياً راقياً إذا استغل موقعها وتوفرت الإرادة الاقتصادية لتحقيق هذا الهدف مع بعض المقومات والمنشآت الضرورية الأخرى. لكن بارا الآن تحتاج لجهد خارق لتنميتها فقد ترك معظم الأهالي العمل بالزراعة، ثروة المنطقة الحقيقية، تحت وطأة الضرائب التي كانت تفرض على كل شجرة مثمرة والفساد الذي ساد معاملات البنك الزراعي مما ورّط المزارعين في ديون عجزوا عن سدادها ولذلك هاجروا إلى المدن الأخرى؛ فهل سيشملهم قرار إعفاء ديون المزارعين أو تأجيلها كما فعلت الحكومة مع المناطق الأخرى؟
بارا الآن تمثل عجوزاً هرمة قد تنكّر لها بنوها بعد أن أرضعتهم من ثديها سنين عدداً ولكنهم تركوها فأصبحت معظم الدور مهجورة وتحول بعضها إلى خرابات يسكنها الوطواط، والمسافر لا يكاد يجد مطعماً يتناول فيه وجبة أو مكاناً يأخذ فيه قسطاً من الراحة، والسواقي ما عادت بتلك الروعة والرونق الذي عهدنا. ولكن ما جعل هذه المدينة الوادعة تقفز إلى صدارة الأخبار في الآونة الأخيرة هو موقعها الجغرافي إذ أنها تتوسط بحراً من الرمال الناعمة التي تزيد من جمال المدينة وجاذبيتها، كما أن وجود عنصر السليكون بكميات تجارية كبيرة في رمالها وتلالها جعل السيد وزير العلوم والتكنولوجيا يطالب باستغلال هذه المادة إذ أفاد في التقرير الذي قدمه للبرلمان (بإمكانية بيع رمال بارا التي قال إن العالم لو اكتشفها «سيدور حولها قتال»)، وأشار إلى أنها تعدّ من أنقى أنواع الرمال، وأوضح بأنهم استغلوها في مجال الطاقة الشمسية، قاطعاً بقيام الوزارة بإجراء دراسة جدوى اقتصادية لمادة السيلكون التي تدخل في عدد من الصناعات المهمة، وأكد أن هذه الرمال يمكن أن تعود للبلاد بعملات صعبة حال تصديرها. و لذلك لنا وقفة معه لأنه يعني السليكون تحديداً. وبما أن « جحا أولى بلحم ....» فلماذا لا يستغل هذا المورد الاقتصادي لتطوير هذه المدينة التي كادت تنعدم فيها سبل الحياة العصرية لما أصابها من إهمال أفقدها كل ما أشرنا إليه من روعة وجمال. ولماذا لا يفكِّر القائمون على الأمر في تصنيع السليكون في موقع إنتاجه من خلال شراكة ذكية مع الجهات التي تريد استيراده حتى نوفر فرص عمل ودخل لأهل المنطقة وتنمية مثلما يحدث في كل مناطق التعدين في العالم؟ و كيف يمكن تصدير السليكون أو الرمال إذا لم يقم طريق باراـ أم درمان الذي تحدثنا عن أهميته في أكثر من مقال ولكن لم يجد كلامنا أذناً صاغية؟
وكما أشرنا فإن بارا تمتلك الأرض والمياه التي ربما تكون سبباً للحرب الكونية القادمة فهل هناك خطط للاستفادة منها؟ لقد علمنا أن الفريق محمد بشير سليمان وزير الزراعة بولاية شمال كردفان لديه خطة طموحة لتطوير منطقة «الخيران» التي من ضمنها بارا، فهل يا ترى سيجد سيادته الدعم الكافي من الجهات المعنية لتنفيذ هذه الخطة التي تعدُّ المخرج الوحيد والاتجاه الصحيح للاستفادة من موارد المنطقة الطبيعية؟ نتمنى ذلك. وعندما نتحدث عن بارا إنما نعني سلسلة طويلة من الواحات تشمل البشيري والطويل ومنطقة دميرة وغيرها وكلها صالحة للزراعة. ونتمنى أن تفكِّر السلطات المحلية والولائية وتشرع في تطوير منتجع سياحي من شأنه أن يحدث نقلة نوعية لتطوير بارا. ونهيب بشيخ العرب إبراهيم حمد علي التوم معتمد المحلية أن يقود تحركاً في هذا الاتجاه ويسعى لتكوين هيئة لإعادة تعمير بارا تضم كبار الرأسمالية الذين خرجوا من رحم هذه المدينة، وهم كثر وفيهم الخير.
إن بارا أولى برمالها من غيرها، وإن كانت المعادن ثروات قومية، لأن هذه المنطقة من شمال كردفان يمكن أن تتحول إلى منطقة إنتاج ضخم من زراعة وثروة حيوانية وربما معادن إذ أبلغني أحد العالمين ببواطن الأمور عن جبل يقع على مقربة من جنوبي بارا، قد لا يرى الآن، كان يحتوي على كميات من الذهب ولكن أزاله التنقيب العشوائي قديماً، وهذا مؤشر على وجود المعدن النفيس حول المدينة. نحن نريد لبارا أن تعود كما كانت « جنة سواقي الريد مرتع الغزلان وادي النخيل والصيد».
بقلم/ محمد التجاني عمر قش ـ الرياض

ليست هناك تعليقات: