السبت، 2 يوليو 2011

وقفات قبل يوم 9 يوليو 2011

بتاريخ : الجمعة 17-06-2011 09:08 صباحا

بعد انقضاء الفترة الانتقالية وحلول موعد الانفصال كان لابد من وقفة لجرد الحساب بكل هدوء.. صحيح أن الحرب في الجنوب بمعناها الاصطلاحي قد توقفت ولكنها لم تضع أوزارها بعد! فهنالك جرح ما زال ينزف في أبيي والدماء تسيل والحرب تدور رحاها في جنوب كردفان وربما يتكرر نفس المشهد في النيل الأزرق لا سمح الله. وكما قال هاني رسلان كأننا يا عمرو لا رحنا ولا جينا؛ لأن السلام لم يتحقق وذهب الجنوب وأسفرت الاتفاقية عن أقبح وجوهها وتكشفت سوءاتها حتى لا تخفى على ذي لب، وبدت كأنها في مجملها فخ وقعت فيه حكومة السودان دون وعي منها.
عناصر الحركة تتصارع فيما بينها وقد انفرط زمام الأمر من قيادتها وأصبح سلفا كير لا يبدي ولا يعيد بينما الصقور يحيكون المؤامرات حتى ضد الجنوب نفسه ويتسع الفتق على الراتق كلما اقترب موعد إعلان دولة الجنوب ودونكم موقف أرملة قرنق والمجموعات العسكرية التي تشهر السلاح في وجه القيادة.. عموماً سيكون هنالك انفصال إلى غير رجعة تولد على إثره دولة فاشلة في الجنوب لن تكون صديقة للشمال بأي حال من الأحوال، بل ستكون جسراً وبوابة تنتقل من خلالها كافة المؤامرات والمخططات الدولية المضادة شمالاً، وستعلق الدولة الوليدة كل مشكلاتها على الدولة الأم؛ وإذا اندلع فيها صراع على كراسي الحكم بسبب التنافس المحموم الذي نراه الآن، سيكون لازماً على الشمال استقبال أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين وعندها سوف تتولد مشكلات أمنية واجتماعية واقتصادية لا حصر لها، و كل ذلك بات متوقعاً بين عشية وضحاها.
في الخرطوم تتداول مجالس الأنس طرفة مفادها أن أحد كبار المسئولين دعا صديقاً له، يشغل موقعاً دستورياً مرموقاً، لتناول الغداء في داره، و قد كان الرجل منشغلاً يتحدث مع نفسه فرد بكل براءة «خلي الدعوة بعد يوم تسعة». لا شك أن هذا اليوم موعد فاصل في تأريخ السودان وهو يشغل ذهن كثير من المسؤولين لأسباب شخصية وعامة؛ فالحكومة في الشمال ستواجه مشكلات سياسية لم تستعد لعلاجها كما يبدو حتى الآن وهذا تقصير واضح! ومن المؤكد سيخرج علينا بعض أعضاء طاقم الحكومة بمبررات تشبه الخيال مبينين أن هنالك خططاً يجري إعدادها لتفادي تداعيات هذا الحدث الكبير ونخشى أن يتمخض الفيل ويلد فأراً مرة أخرى.. سيفقد الكثيرون مواقعهم ولن يكونوا راضين عن الوضع إذ جاء على لسان الدكتور مصطفى عثمان القيادي بالمؤتمر الوطني إنهم بصدد وضع معايير جديدة لتولي الوظائف القيادية في الحكومة بعد التاسع من يوليو القادم؛ وستقلص كثير من الوحدات الإدارية خاصة على مستوى المحليات والإدارات الحكومية الأخرى، وربما يكون هنالك نظام وتقسيم إداري جديد تتبعه ترضيات ومعالجات تعقد الوضع وتزيد الاحتقان أكثر.
كما أن سياسة التقشف ستزيد من سخط الشارع وربما تكون هنالك تحركات مناوئة لممارسة بعض الضغوط على الحكومة من أجل دفعها لمزيد من التنازلات وقد يتسلق المعارضون على سطح الأحداث في جنوب كردفان وقد يُدخلون معهم الحركات المتمردة في دارفور بغية إسقاط النظام بالتعاون مع عناصر الحركة الشعبية الحاقدة على الوضع أصلاً.. لا نريد رسم صورة قاتمة عن مآلات الوضع ولكن هذه محاولة لقراءة استباقية للأحداث من أجل لفت الأنظار عسى أن يجد ما نقول أذناً صاغية في دهاليز القيادة السياسية.. وإذا نظرنا لتحركات المجتمع الدولي بخصوص الشأن السوداني الداخلي فسيتضح لنا أن الأولوية عندهم الآن هي تحقيق إعلان دولة الجنوب في هذا التأريخ و ما تبقى من مشكلات عالقة ستستخدم كحصان طروادة أو كما يقول الصحفيون هذه الأيام «فزاعة» لزعزعة الوضع الداخلي وتوفير مناخ مناسب لما يسمونه بالفوضى الخلاقة سعياً لتصفيات حسابات سياسية قديمة مع الإنقاذ وربما محاولة إسقاطها وبناء السودان الجديد وفقاً لمنفستو الحركة الشعبية المعلن. عموماً لن يكون السودان بعد التاسع من يوليو هو أرض المليون ميل ولن يتغنى أطفالنا بعده بأناشيد مثل منقو قل لا عاش من يفصلنا، ولن تضم أمدرمان ضلوعها على ابن الجنوب فقد انفصلنا وصار بيننا عطر منشم. وبات لزاماً على الحكومة أن تضع المثل السوداني القائل «الجفلن خلهن أحرص على البايتات» نصب أعينها ومن ثم نتفق جميعاً لنضع معايير وسياسات جديدة بمشاركة كل القوى الوطنية المخلصة والفاعلة في الساحة، ونبحث عن مصادر اقتصادية بديلة إذا كنا نريد إقامة الدولة السودانية الثانية على أسس حديثة ليس للجهوية والقبلية والمحسوبية فيها مكان بعد التوصل إلى ثوابت وطنية راسخة وقائمة على تساوي أهل السودان واشتراكهم في الثروة والسلطة والحقوق والواجبات في المنشط والمكره. لقد كانت التجربة السابقة يشوبها كثير من التشوهات السياسية والحزبية والاجتماعية مع أخطاء واضحة في الممارسة بشكل عام؛ وهذه فرصة لمراجعة النفس والخروج من هذا المخاض الصعب بأقل الخسائر والاستفادة من التجارب السابقة لبناء مستقبل مشرق أكثر أمناً ورخاءً للأجيال القادمة على أقل تقدير.
بقلم/ محمد التجاني عمر قش ــ الرياض

ليست هناك تعليقات: