الأحد، 17 يوليو 2011

الطاهر حسن التوم وقول في الإعلام

بتاريخ : الجمعة 08-07-2011 09:23 صباحا

طفل لم يتجاوز التاسعة من العمر، وقد كان حينها طالباً في الصف الثاني من المرحلة الابتدائية؛ ذات يوم طلبت منهم إدارة المدرسة إحضار عشرة قروش دعماً لواحد من أنشطتها. وأخطر والده بذلك، وبحكم مهنته دلف الأب عصر ذلك اليوم إلى مقر الصحيفة التي كان يعمل بها ليفاجئ مدير المدرسة بمقال رصين في صبيحة الغد. ولم تمر ساعة من اليوم الدراسي حتى دخل المدير الفصل و أمر الطالب بالحضور إلى مكتبه. دخل صاحبنا مكتب المدير وهو يرتعد من الخوف والحرج، ولكن يا للمفاجأة فقد بدا المدير مضطرباً تبدو عليه علامات القلق والانهيار المعنوي. بادر المدير بسؤال الطالب: يا الطاهر حسن التوم ما هذا الذي فعلت؟ هل طلبت منك شخصياً إحضار أي مبلغ من المال؟ وما هذا الذي كتبه أبوك؟ لم يكن الطاهر يدرك ما حدث حتى تلك اللحظة، ولكن مدير المدرسة أشار إلى الصحيفة واضعاً يده على عنوان المقال. وعلت الدهشة محيا الطفل الذي أصيب بارتباك شديد، ولكنه أدرك في تلك السن المبكرة أن الصحافة شيء مخيف للمديرين ومتخذي القرار.
هذه القصة الواقعية دليل قاطع على ما يمكن أن تحدثه الصحافة والإعلام عموماً في سلوك الحكام وولاة الأمر والمجتمع بشكل أوسع، ولذلك حق لها أن تسمى «السلطة الرابعة».
وبالنظر إلى الصحافة والإعلام في السودان، فقد حدد الطاهر التوم في منتدى رابطة الإعلاميين بالرياض جملة من المشكلات يعتقد أنها قد قعدت بالإعلام السوداني وأضعفت دوره تماماً. فكثير من وسائل الإعلام المرئي والمسموع تميل إلى بث الطرب والترفيه دون نشر الثقافة والفكر والأدب والعلم وخدمة الوطن، مع جمود ملحوظ وضعف في الأداء والبرامج ناتج عن عدم التدريب والممارسة المهنية الرفيعة وغياب الخبرة الإعلامية المطلوبة. كما أن أجهزة إعلامنا لا تعنى بمعرفة آراء الناس وتوجهاتهم إلا عبر استطلاعات ضعيفة لبعض البرامج حسب الحالة وفي مناسبات محدودة، وهذه تستهدف فقط عامة الناس دون خاصتهم من الطلائع المستنيرة. وليس هنالك دور للإعلام في خدمة الاقتصاد والسياحة والتعليم العالي وغيرها من المجالات الحيوية.
ومن ناحية أخرى مازال الإعلام السوداني حائراً بين المهنية وقبضة الإعلان، ومعلوم أن النظرة التجارية ومحاولة كسب المعلن وإرضائه تحد من حرية الإعلام والصحافة، ذلك لأن الإعلان يجعل هذه الأجهزة تتنازل عن مهنيتها.
أما الصحافة السودانية فلها عللها المزمنة أيضاً، أولها وجود الصحافة الحزبية الفاشلة ذات النظرة الضيقة ووقوعها تحت الوصاية، مما يحرمها من ممارسة دورها في مناقشة قضايا الوطن المصيرية بكامل حريتها. وهنالك «شللية» في الصحافة السودانية حرمت الناس من كثير من الأقلام المبدعة والمستنيرة. وعلى حد قول أحد الحضور فإن الصحف السودانية بهذه الممارسة الصحفية الضعيفة وغير الملتزمة بقضايا الناس، تشتري لك تذكرة طرد من الوطن، ولذلك فقد الناس الثقة فيها. ومن أكبر المشكلات عدم وجود دار أو شركة توزيع، وليس هنالك دور نشر وطباعة محترفة حتى تحسن وتجيد إخراج الصحف بطريقة حديثة تليق بصحافة عريقة مثل الصحافة السودانية. وحتى صياغة الخبر الصحفي تعتمد على الانطباع الشخصي وليس المهنية، وتعاني الصحف من تدنٍ كبير في مستوى اللغة، وتميل في بعض الأحيان إلى استخدام اللهجة العامية أو الدارجة خاصة في عناوين المقالات حتى تجذب القارئ، وهذا مرده لعدم التدريب وتدني المهنية مع انعدام المؤسسات الصحفية الكبيرة التي من شأنها أن تحسن من الممارسة الصحفية الفاعلة والمؤثرة في المجتمع حتى تلعب الدور المنوط بها.
نحن نريد إعلاماً وطنياً فاعلاً ليس مطبلاً للحكومة وإنما ناقداً بموضوعية، يعمل على تصحيح الأخطاء والمساهمة في الشأن الوطني، ويلتزم بعدم التعرض لقضايا تمس أمن الدولة والأمن الاجتماعي، ومن أجل هذا لا بد أن يكون الإعلامي والصحافي مهنياً بالدرجة الأولى، ولذلك يلزم تطوير الفرد الصحافي والإعلامي السوداني وتأهيله مهنياً وفنياً، مع إعطائه الفرصة للحصول على المعلومات الصحيحة بكل حرية، إذا كنا نريد النهوض بصناعة الصحافة والإعلام في السودان، بعيداً عن مقص الرقيب وسيف السلطة وقبضة الإعلان.
بقلم: محمد التيجاني عمر قش- الرياض

ليست هناك تعليقات: