الثلاثاء، 27 أكتوبر 2020

ما بعد الفيضان

 

ما بعد الفيضان

 

إن مع العسر يسرا. الغلاء مصيبة والبلاء مصيبة وانعدام الأمن أم المصائب. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. أصاب الناس على ضفاف الأنهار ضرر كبير ولك ان تتصور مأساة من يصبح بلا مأوى وبالأمس كان يسرح ويمرح في فناء داره متخيراً لكل غرفة وقتاً ويصبح ولا لحاف له الا الأرض ولا غطاء له الا السماء ولا إناء الا كفيه.

ليست المرة الأولى ان يدمر فيضان الأنهار (كان الحديث دائما عن النيل الأزرق ونهر النيل هذه السنة حتى النيل الأبيض أصر على التمرد وطلق الهدوء) منازل المواطنين وزرعهم وضرعهم وأسال الله ان تكون الأخيرة. إذا كانت اليابان عرفت كيف تقاوم الزلازل وحدت من تدميرها الى اقصى حد الا يوجد بين بني السودان فريق رشيد (لا أعني فرقاء الجيش والشرطة كلهم راشدون وبس) لكن ألا يوجد فرق علماء تضم مهندسي بناء ومهندسي مياه ومهندسي مساحة يضعون خططاً وضوابط للبناء الآمن؟ وقبل البناء الآمن ألا يوجد من يعرف كيف يجمح هياج هذه الأنهار (والانهار نعمة يتمناها ثلاثة ارباع سكان العالم ونحن نخاف منها) اين الحديث عن حصاد المياه؟ أيعجز العلماء في حل مسألة هذه المياه الموسمية؟

لكن دعونا مع هندسة المباني لماذا المباني ضعيفة وهشة؟ أقرب إجابة مواد البناء غالية لا بل غلاء خرافي؟ بند السيخ او الاسمنت لأصغر بيت في السودان يبني فيلا في دول غيره كالهند مثلاً. وحكاوي المغتربين عن إنجازات زملائهم من الهند حيث الهندي والذي يتعاطى نفس راتب زميله السوداني، يقوم ببناء فيلا في اقل من ثلاث سنوات ويظل السوداني مغتربا ثلاثين سنة ولا يبني عُشر منزل الهندي.

ما الذي يجعل سعر طن الاسمنت عشرة اضعاف سعره في مصر القريبة هذه (هذا قبل قفزات الدولار الأخيرة لا ادري كم ضعفا الآن) ما الذي يجعل كل مواد البناء بهذا الغلاء؟ ويكاد البناء يكون محصورا في العاصمة وبعض عواصم الولايات (هل رأيتم منزل فاطمة جودة الأولى على ولاية كردفان ورأيتم سراجها؟).

لابد من مراجعة مواصفات البناء ولابد من قيام شركات عقارية مدعومة من الدولة لتُعلم الناس البناء الآمن ولابد للبنك العقاري من القيام بدوره ولابد من ان تراجع الحكومة ضرائبها وجماركها على الاسمنت وكل مواد البناء وهذا هو الدعم الحقيقي الذي يكفي الناس الشحدة والتسول والولولة.

وثقافة البناء الراسي لابد لها من الانتشار فهي الآن موجودة في حيز ضيق يا أهل المدن وضفاف الأنهار التنازل عن الحوش الكبير مطلوب لبناء آمن وقوي ومدروس بواسطة خبراء (يا اخوانا حكاية خبراء دي ما عايزة وقفة).

 لكن البداية بتصميم الخرط والاماكن الآمنة وبُعدها عن النهر. لو كانت هذا الانهار في بلاد غير هذه الدولة، العاجزة على مر الدهور، لجعلوا منه تحفة ومرتع سياحي يحدثونك عن انهار مشهورة في مدن العالم وهي اقل من ترعة في مشروع الجزيرة.

ترويض النهر مطلوب وترويض الدولة الجابية أيضاً.

 

ليست هناك تعليقات: