الجمعة، 26 يونيو 2009

في ليلة( الصراع السياسي حول وضع الدستور)

هذا شعب فريد

في أمسية الأربعاء 4 رمضان 1416 بنادي الخريجين بأم درمان - ذلك الصرح الذي كلما ذكر تذكر الناس الأزهري – أقامت جامعة الزعيم الأزهري ندوة علمية بعنوان (الصراع السياسي حول وضع الدستور الدائم للبلاد 1956 – 1989).
لست بصدد ما دار في الأمسية من نقاش ولا أريد أن أناقش أوراقها التي قدم الأولى أخي د.عبد اللطيف البوني بعنوان ( الصراع بين علمانية وإسلامية الدستور) وقدم الثانية الأستاذ طارق المبارك بعنوان التطور الدستوري وما قاله المتحدثان موثق بعدة وسائل لكن سأتجول بقلمي طالقا له العنان ليكتب الفريد الذي شاهده.
كنت قبل تلك الليلة من الذين يعتبون على الأعلام الذي ينفخ في شعبه روح التفرد ويهول من محاسنه ويغض الطرف عن مساويه.ورددت كثيرا بان شعبنا هذا يجب إن يبصر بعيوبه – ولا يخلو شعب من عيوب-ويجب أن يقال له أنت شعب كسول واستهلاكي وكثير نقاش. وفي تركيبتنا الاجتماعية خلل كبير هو الاتكالية التي تصل حد العادة وفيه من الحياء والتواضع ما يجعل الواحد منه مستضعفاً تأكله الذئاب وفيه وفيه.
غير أني ومنذ تلك الليلة سكت وسأسكت عن هذا النقد الذاتي وسأكثر من إظهار ما نتفرد به .ولنا أن نفخر بأشياء كثيرة .
بعد هذه المقدمة نعود للندوة وحضورها.
أولاً: مكان النادي ما عاد لائقا به.إن كان المكان أنشئ سنة 1918 يوم كان سكان أم درمان في أحياء متناثرة هو الآن في منتصف السوق والخلاف بين الفكر والسوق ما عاد لصيقا كما في عكاظ فقد تباعدا.
وصل الدكتور البوني مبكراً - وأنا- غير إننا وجدنا مدير جامعة الأزهري جاء مبكرا جدا وبدأت في تفقد وترتيب المكان – طبعا معه آخرون من الجامعة أساتذة وموظفون قلت في نفسي مدير الجامعة في ما حولنا من دول يجلس في برج عالٍ ويتعمد الحضور متأخراً فمكانه في صدر المجلس محجوز ومكتوب عليه اسمه يحضر متأخرا حتى يقف له الجميع هذا إن لم يقدمه حرس يفتح الطريق أمامه ويبشر بمقدمه إما مدير جامعة الزعيم الأزهري فكان(شمساً) وكان كأم العروس سيشرف حتى على وضع الأكواب.
ومدير جامعة الخرطوم كبرى جامعات السودان جلس في كرسي عادي في أقصى الصف الأول وبكر في حضوره وكان يحق له - إن لم يكن من هذا السودان- أن تتقدمه زفة من رجال وكرسي عريض إليه حجز ولسألوه قبل يومين ماذا يفضل من مشرب ومن مأكل ليحسب حسابه في مأدبة الإفطار.أما وأنه سوداني فقد جاء(هادئاً) يلبس ما يلبس الناس وينتعل نعالهم ولن لا يعرفه يعرف بأنه فلان مدير جامعة الخرطوم دون ذكر لقائمة الألقاب كمعالي وسعادة ونيافة وهو راض ونحن راضون.
جاءت كوكبة من وجهاء المجتمع وزراء سابقون ووزراء حاليون سنعرض لأمثلة منهم بعد قليل إن شاء الله – بعد أن استجاب الناس لطلب مدير الجامعة بان يفطروا على تمرات ثم الصلاة ثم يعودوا ويكملوا الإفطار اصطف أناس للصلاة وأعمارهم وعلمهم متفاوت وقدموا الأخ عبد الله دينق نيال ليؤمهم فصلى بنا صلاة وزير شئون دينية بحق.افطر من كان هناك ومن الاشراقات السودانية أن دعيت شرطة المرور التي جاءت لتنظم خارج الدار إلى الإفطار قبل أن تبدأ الجلسة بدأت الشخصيات تترى في كل مرة يدخل مشهور عالم،أو سياسي أو صحفي إلى أن أهل على القوم السيد الصادق المهدي مبتسما ابتسامة عريضة وممتلئا صحة أدامها الله عليه وسأقف عنده طويلا السيد الصادق هو الرئيس السابق وفي كثير مندول العالم الثالث الرئيس السابق لا يمشي بين الناس فهو إما أن يقتل أو يسحل أو ينفي أو يهرب ويطارد بقية عمره.
أما رئيسنا السابق فقد دخل ومعه بعض خاصته وبدأ يسلم على الحضور في ثقة تامة وابتسامة عريضة عرض هذا السودان.ويعانق خصومه السياسيين ولا يخطر على احد كلمة من قاموس التصفيات الجسدية التي تنتشر حولنا وجلس جنبا إلى جنب مع أخيه دكتور على الحاج في صدر المجلس وكأن 30 يونيو لم يكن بدأ برنامج الليلة وقدم مدير الجامعة المتحدثين بنفسه إكراما لهم وللحضور وجاء أثناء الحديث الأخ احمد عبد الرحمن محمد وزير داخلية سابق في غير ابهة ولا عظمة جاء كمدرس يتقدم نحو صف سبقه إليه طلابه وقد تأخر عليهم قليلا. بالله تذكروا أي وزير داخلية في غير سوداننا في فترة وزارته أو بعدها كيف سيكون حاله لله درك يا سودان وجلس في الصف الثاني وصافح من حوله وكان أحرها ما ناله الصادق المهدي. وفي منتصف الليلة وإثناء حديث لأحمد زين العابدين يدخل محمد إسماعيل الأزهري ابن الزعيم الذي سميت الجامعة باسمه في دارٍ أبوه في صدر قائمتها ويعلوها ذلك العلم الذي رفعه أبوه . بعد كل هذا المجد تهامس :كثيرون من هذا؟ إلى أن قيل هذا محمد الأزهري إنا نعرف صورة خالد جمال رضينا أم أبينا فقد دق الإعلام المصري صورته في أذهاننا بأربعة مسامير من الصلب ونعرف صورة ولي عهد المغرب ونعرف كثيرا من أبناء روساء من حولنا إلا ابن الأزهري ولا ندري وليس لنا سيدة سودان أولى ألا يحق لنا أن نفخر بهذه اللا طبقية. اجتمعت هذه الكوكبة المتنافرة سياسيا في صعيد واحد وتعاملوا مع بعضهم بود واحترام شديدين. واجزم أن قلوبهم أصفى من اللبن - من غير السياسة طبعاً- وليس فيهم من عبس في وجه أخيه وإن لم يكن هذا في سوداني لخرجت مسدسات وخناجر.ولكن النقاش كان ساخنا وكان تناسب عكسي بين أدب القوم ونقاشهم ويبدو ذلك جليا في مقدمة الأستاذ احمد عبد الرحمن الذي حمد الله على تحريك الركود السياسي. ودكتور على الحاج الذي احتج على حصر التطور الدستوري ووقفه عند1989 وطالب أن يمضى به إلى ما بعده والى المرسوم الثالث عشر وقدم الدكتور شمس الدين أخاه دكتور الطيب زين العابدين ووصفه بأنه مشاكس. فما خيب الطيب ظن أخيه ومارس عادة المشاكسة وانتقد المرسوم الثالث عشر نقداً شديدا في بعض فقراته وفي عدم مشاركة كل ألوان الطيف السياسي في مناقشته قبل التوقيع عليه.
هذا ما نتفرد به على غيرنا حتى المؤيدين من الإسلاميين لهم رأي في ما يجري وليسوا مع الرئيس القائد في ما قال وما سيقول مع الفارق الكبير بين القائل والمقولة فيه. بعد كل هذا كان جهاز تسجيل الأستاذ كمال حامد قمة التكنولوجيا وخفة الوزن ويكاد لا يرى.
نشرت يوم 2 فبراير 1996 صحيفة الإنقاذ الوطني.

ليست هناك تعليقات: