بتاريخ : الجمعة 08-04-2011 08:33 صباحا
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
أنا مدرس بالتأهيل والممارسة، تخرجت في كلية التربية بجامعة الخرطوم وقضيت أكثر من ثلاثين سنة أمارس هذه المهنة ولذلك فإنّ من الطبيعي جداً أن أكون متأثراً بمن سبقوني في هذا المجال وقدموا لنا، نحن معشر المدرسين، نموذجاً رائعاً لكل من يريد أن يقتدي ويهتدي بسيرتهم العطرة وحق لنا عند ذكراهم أن نردد البيت المشهور:
قوم كرام السجايا حيث ما جلسوا يبقى المكان على آثارهم عطِرا
منهم أمة قد خلت وما زال بعضهم على قيد الحياة وما زال أهلاً للاحترام، لا بجاه ولا بسلطة وإنما بما أسدوه لتلاميذهم من علم ونصح وإرشاد وتوجيه أبوي خالص أخرج للسودان خيار أبنائه من الذين يقودونه الآن على كافة الصعد والمجالات؛ وضربوا أروع الأمثلة في نكران الذات والحزم والتربية التي لا تعرف الترف ولا المجاملة. هؤلاء الرجال عملوا في أنحاء السودان كافة فمرة تجد أحدهم مديراً لحنتوب الثانوية وبعدها في خور طقت أو الفاشر أو خور عمر فيما بعد.. لم يكونوا ينظرون إلى تلاميذهم وطلابهم إلا كأبناء يستحقون الرعاية و حسن المعاملة مع شيء من الشدة كان يتناسب مع روح عصرهم. عرفت منهم أستاذنا الكبير عبد الباقي محمد ــ أطال الله عمره ــ الذي لم يكن لي شرف التلمذة على يده لكنني التقيت به مرات عديدة وتعلمت منه الكثير في مجال التربية. ومن هؤلاء الرجال أستاذنا محمد التوم التجاني رحمه الله فقد زرته وهو يومئذٍ على فراش الموت ولم أجد منه إلا تلك الروح الأبوية حيث ذرف الدمع لِما دار بيني وبينه من حديث في ذكريات التعليم. ومن أهم أستاذ الأساتذة مندور المهدي عليه الرحمة الذي كنا شهود عيان على عهده وهو يدير كلية التربية بتلك الحنكة التربوية التي لولاها لما وقفت الكلية على أرجلها أبداً. أما هاشم ضيف الله فقد كان له القدح المعلى في أمر التدريس والتربية وهو ذلك الطود الرياضي الشامخ الذي ترك بصماته ليس فقط على طلابه بل على أبناء جيله من المعلمين. ونحن لا يمكن ألا أن نقف مترحِّمين على قبر النصري حمزة وعبد الحليم علي طه وعبد الحميد محمد مدني رحمهم الله جميعاً.. إن ما يميِّز هؤلاء عن غيرهم أنهم استحقوا الترقي والمجد بجهدهم وليس بترقيات سياسية أو استثنائية وصاروا بذلك أسماءً ورموزاً في حياتنا سنظل نذكرهم ونترحَّم عليهم ما بقيت مدرسة في السودان. كانوا يحرصون كل الحرص على أن تكون مدارسهم جاهزة ومهيأة لاستقبال الطلاب من حيث الأثاثات المدرسية والغذاء والكتب وقبل هذا كله وجود المعلم الكفء قبل وقت كافٍ من بداية العام الدراسي حتى يؤدوا رسالتهم على الوجه الأكمل. معظم هؤلاء رحل عن الدنيا ولم يكن لديه بيت يسكنه ولا حتى سيارة؛ ذلك لأنهم لم يحصلوا مجتمعين أو منفردين على 165 مليون جنيه حوافز مقابل الإشراف على امتحانات السودان وإن كان معظمهم قد تبوأ منصب الوكيل أو الوزير أو سكرتير امتحانات السودان.
بقلم/ محمد التجاني عمر قش ـ الرياض
بدون تعليق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق