الأحد، 24 أبريل 2011

غيرها الجفاف (2)

بتاريخ : الجمعة 22-04-2011 09:04 صباحا

لعشاق الأدب السياسي ستتواصل حلقات غيرها الجفاف كل جمعة لكاتبها الاستاذ محمد تجاني عمر قش.
النزوح تجربة إنسانية قاسية!
إن من شأن الكوارث الطبيعية و البيئية والحروب أن تؤدي إلى تحركات سكانية تكون سبباً في تغيير طبيعة البشر وسبل كسبهم، و اختلاطهم ثقافياً و اجتماعياً و اقتصادياً وهذا ما حدث للنازحين من شمال كردفان إبان فترات الجفاف الأخيرة. فقد تأثرت المنطقة بموجات الجفاف الذي ضربت البلاد منذ أواخر الستينات و حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي و ترتب على ذلك تدهور بيئي مريع أدى ببعض الأهالي إلى النزوح إلى أطراف المدن أو إلى بعض الأماكن التي لا تناسب طريقة معيشتهم و اضطروا إلى ممارسة بعض الأعمال الهامشية التي لا تسمن و لا تغني من جوع. وجد النازحون أنفسهم في بادئ الأمر أمام وضع جديد كانت الأولوية فيه لتوفير الغذاء للناس دون متطلبات الحياة الأخرى من تعليم و صحة وأمن وخدمات أخرى مثل المأوى فاتخذوا بيوتاً من كل ما وصلت إليه أيديهم من خيش و كرتون وجلود وغيرها حتى مخلفات البهائم، و كان لذلك أثر بالغ السوء على وضعهم النفسي والأخلاقي؛ خاصة في منطقة المويلح - غربي أم درمان- حيث تجمعت أعداد كبيرة من مختلف القبائل ذات السحنات و العادات والتقاليد و اللهجات والطبائع المختلفة في غياب تام للسلطة ولذلك تفشت الجريمة و تدهور الوضع الأمني تحت الضغط النفسي و الاجتماعي و المعيشي الذي كان يواجه الناس في تلك الفترة الحرجة مما دفع بكل أعضاء الأسر لممارسة العمل بكل أشكاله و ووسائله ونتج عن ذلك فاقد تربوي و أخلاقي كبير. من جانب آخر أدت موجة النزوح تلك إلى خلو المناطق الريفية من أهلها تماماً وبذلك تأثرا لإنتاج بشقيه الزراعي و الرعوي في المنطقة و حدثت هزة سكانية عنيفة كان ضحيتها صنفان من أفراد المجتمع هما النساء و الأطفال. فقد كادت المرأة الكردفانية العفيفة تفقد هويتها تماماً؛ أما الأطفال فقد صاروا عرضة للضياع بسبب التفكك الأسري غير المسبوق في تأريخ المنطقة؛ مما أفقد الناس ارتباطهم بالمنطقة فضعف انتماؤهم و نسوا تراثهم و تقاليدهم . ولكن الذهب لا يصدأ و الإنسان الأصيل لا تغيره تقلبات الظروف ولذلك نرى شاعرنا أبا الطيب يواجه ظروف الجفاف بكل أنفة و شموخ و يقول إنها لن تغير من طبعه شيئاً بل ستمُر عليه و هو مستور الحال ويكرم ضيوفه بذات القدر كما لو أن تلك السنة لم تجور عليه فيقول:
السنة ديْ أشمّرت ركزت على الدّقانا
و كضاب البقول يا جاهله الجفاف هزّانا
قول لأم درعه قلبِك َقوّي من تالانا
منقضّوها بفَنجره و ضيوفنا معانا
إزاء ذلك الوضع الصعب هرعت منظمات الإغاثة بتقديم العون و تدريجياً بدأت هذه المجموعات تندمج في التركيبة السكانية للمدن خاصة بعد التفات الدولة لهم بإنشاء مدن السلام. ورب ضارة نافعة، فقد تحولت تلك الأحياء على الرغم مما ينقصها من مقومات المدنية إلى تجمعات حضرية تتوفر فيها مرافق التعليم والصحة و الأمن و إن كانت بشكل لا يلبي كل تطلعات الناس و لعلنا نشيد هنا بالجهد الكبير الذي بذلته ولاية الخرطوم لتلبية مطالب هؤلاء النفر و استخدام مبدأ أكرموا عزيز قوم ذل. الآن هنالك أعداد كبيرة من أبناء أولئك النازحين نالت حظاً وافراً من التعليم فصار منهم الطبيب و المهندس و المعلم المؤهل و الأستاذ الجامعي و نريد منهم الإسهام في حل مشاكل أهليهم بشكل إيجابي. من ناحية أخرى لابد من القيام بإجراءات استباقية للحيلولة دون تكرار تلك المأساة الإنسانية خاصة أن الظروف المناخية ما زالت متقلبة علاوة على أن شمال كردفان لم تشهد قيام أي مشروع تنموي من شأنه أن يحول دون نزوح الناس إذا تعرضوا لهزة أو كارثة مماثلة. ولذلك فإن الأولوية الآن لقيام مشاريع ذات جدوى اقتصادية تتناسب مع ظروف الأهالي و طرق معيشتهم هناك.

ليست هناك تعليقات: