الأحد، 24 أبريل 2011

غيّرها الجفاف «1»

بتاريخ : الجمعة 15-04-2011 08:51 صباحا

ما هي أسباب الجفاف و التصحر؟
ما هي آثاره البيئية والاجتماعية والاقتصادية؟
كيف نكافح الجفاف والتصحر؟
غيّرها الجفاف أم خدْ جميلة السيره
بقت الحلوة تخدم في المدينة أجيره
قالت يا حايد البلا تمرقنا من ها الديره
بقت أحلامنا بس يا فيتريت ويا زريزيره
أولاً، أعتذر لشاعرنا الكبير قريِّب محمد راجع ـ رحمه الله ـ أن استهل هذا المقال بواحدة من قصائده؛ إذ لا أجد كلاماً أبلغ وأروع مما قال لأصف به آثار الجفاف في شمال كردفان. لقد كنا في مقتبل العمر نرعى الإبل في بادية شمال كردفان و تحديداً في منطقة الجبال البحرية « أبو حديد وأم درق و الربده و النهد» و كنا نخاف من دخول بعض الغابات « الوعر» نظراً لكثافة أشجارها وتماسكها. لكن أين ذلك كله الآن؟ لقد أصبح أثراً بعد عين وحل مكانه صحراء جرداء لا ماء بها ولا شجر وإن شئت قلت ولا بشر، فقد هاجر الناس لأطراف المدن في العاصمة المثلثة وبعض المناطق الأخرى بعد أن بدل الجفاف حياتهم رأساً على عقب و صاروا لا ترى إلا مساكنهم يخيم عليها البؤس وتعتريها الكآبة بعد أن كانت عامرة وحية بأهلها و أنعامهم. وأمام هذا الوضع المذري تجدني مضطراً لأنقل لكم هذه أبيات:
جيت في جبرة حيرتني المناظر حيره
لا ميْ لا كلجة تب لا طيره
و كبّش نور خاليه من تلميذ ومن طبشيره
مدارس الوز ما فضل في الأسرة إلا مديره
في شرشار متلاب ما سمعنا جعيره
وين فرقانه وين الإلفه وين الجيره
العاديك إندفن والأصفر مصيبة كبيره
وين الخضار المشهوره بيه دميره
عطشت القاعات و جفت الدهسيره
الرهد طرد ما بطروا فيه عميره
الكوكيتي صوَح و أنقدا حفيره
صايم ديمه غاب والنهد غاب خيره
ولا بد من وقفه مع هذا الكلام الآسر والمؤثر إذ يسجل الشاعر مشاهد من آثار الجفاف في كل منطقة مرّ بها ابتداءً من جبرة الشيخ التي ضربها الجفاف حتى تغيرت معالمها تماماً، و يستمر قريب في الحديث عن آثار الجفاف الذي أدى إلى موجة نزوح خلت على إثرها المدارس في كبش نور و حمرة الوز وكلها قرى معروفة في شمال كردفان. كما ذكر ما حل بشرشار التي عرفت بكثرة الأبقار ومضارب العربان، ولكن كل ذلك اختفى الآن؛ ودفن مشرع العاديك الذي كان ذات يوم مورداً مهماً، أما دميرة فلم يعد بها خضار. و ذروة آثار الجفاف هي هجرة الحرائر العفيفات من فتيات دار الريح اللائي وجدن أنفسهن أمام وضع لا يحسدن عليه حيث اضطررن للعمل في البيوت بعد أن كن يعشن في رغد وبحبوحة من العيش. وذكر الشاعر الشيخ محمد ود الريح السنهوري المعروف «بالصائم ديمه» وهو رجل من الصالحين من سناهير أم درمان كان يقيم في منطقة النهد حيث قامت على يده حركة دينية كبيرة أحيت المنطقة حتى وفاته في سبعينيات القرن الماضي، وكل ذلك لم يعد قائماً الآن؛ فالإنسان والحيوان والغطاء النباتي كلها جارت عليها تلك السنين العجاف.
أ. محمد التجاني عمر قش ـ الرياض

ليست هناك تعليقات: