عطفا على مقال سابق سألت فيه عن مقياس الفقر. كتب اليَّ صديق عزيز وزميل دراسة سبقني بسنة الى الجامعة ذلك قبل نصف قرن والحمد لله مازال الود قائماً بيننا بل وانتقل الى ابنينا اللذين تزاملا في الجامعة والاغتراب معاً. صديقي الأستاذ الحَسين عبد القادر الكيميائي الضليع أتحفني برسالة نظر فيها الى مجتمعنا من زاوية لا ينظر منها عامة الناس، هؤلاء الذين لا يكتبون ربما هم أهل براعة كتابية أكثر من كثير من الأسماء التي يطالعها الناس يومياً.
كتب الحَسيين يقول:
جزاك الله خيرا على هذا العمود المورق المثمر.. فعلا أكبر مشاكلنا غياب تعريف دقيق للظواهر المجتمعية المتغيرة وعدم وجود معايير للتحكم فيها، وعدم وجود فعلي لمن يقوم عليها؛ في كل شيء نطرقه.
هل يوجد في السودان فقر حقيقي أم تبطل وتعطل وﻻ مباﻻة؟ وبلادنا تئن بآلاف الأجانب الذين يرونها جنة الله في الأرض؟
في العام الماضي، وقفت متأملا صفا طويلا لنساء ينتظرن توزيع كرتونة فرحة الصائم، بعد ان أصبح غالب الرجال يتخفون من ورائهن. ورأيت عجباً وجوها منتفخة الخدود، وأشكالا ناعمة الهيئة، جميلة الهندام، رشيقة القوام، وتحمل كل واحدة منهن جلاكسيا من آخر الموديلات تتشاغل به ريثما يأتيها دورها في الرزق الوفير السهل والمجاني الذي يعشقه السودانيون لدرجة الموت في سبيله.
تذكرت حالي وحال معظم أبناء جيلي في أصقاع السودان البعيدة.. وقلت لنفسي: كيف يسعنا تسمية حالنا البائس في ذلك الزمان، مقابل هذا الصف الناعم المملس الذي يدعي الفقر؟
وكذلك أصاب بالدهشة عندما أذكر أيام الاعتصام والقنوات الفضائية تنقل عبر شاشاتها آلاف الكاميرات اللامعة لهواتف المعتصمين كأنها النجوم أو حرب النجوم . وما البث ان يجذبني الحاضر لأجد المعتصمين ينتقلون الى التأييد المطلق لما يحدث من سياسات الغلاء والجشع وفداحة أخطاء الحكومة!!
فهل نحن نعيش في ظل مصطلح مستحدث يمكن أن نطلق عليه (مجتمع الفقراء المترفين).؟؟
تحياتي ..
تعقيب الاستفهامات:
سيتغير الحال بإذن الله سلباً او إيجاباً. سلباً لن يطول ترف الفقراء مع الضائقة المالية والاقتصاد القاسي والشرس الذي انعكس في خفض كثير من العادات الاجتماعية تقلصت الحركة الى المآتم وصار الناس يكتفون بالرسائل وكل يوم المجتمع في تفهم لسالب عاداته.
أما التغير الإيجابي الذي نتمناه ان يتحرك الاقتصاد ويصبح المجتمع منتجاً ليفلح هذه الأرض البور ويجمع الصمغ ويصنع الصلصة ولا يجد الجالسون على الطرقات والقهاوي وستات الشاي وقتا ليهدروه في الفراغ غير المنتج. هذه (العَصّرة) الاقتصادية إذا ما صاحبها حكام وطنيون وأصبحوا قدوة في الزهد والمحاسبة لن نحتاج لمصطلح الحَسين (الفقراء المترفون) مكاناً في هذا السودان المعطاء.
وكل المشكلة في توم آند جيري. الإسلاميون واليساريون لم ينتقلوا الى الوطن بعد كلهم في خانة الحزب وإلحاق الضرر بالآخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق