23-12-2016
|
القُوَّةَ ليست في التسلُّط على الضعفاء والمساكين، وبَخْس حقوقهم، وأَكْلِ أموالهم بالباطل، والولوج من كل بابٍ يُؤَدِّي إلى مال ودنيا، دون النظر إلى حلِّه وحرمته؛ إنَّما القُوَّةُ الحقيقيَّة هِيَ في السَّيْطَرَةِ على النفس وشهواتها، وكبح جماحها، أن تظلم الآخرين أو تبخس حقوقهم، في مراقبة دائمة لله عز وجل مع استحضار قوة الله وبطشه، وسرعة انتقامه من الظالمين. وهذا تذكيرٌ بلزوم أداء الحقوق إلى أهلها، في زمن تهاون فيه كثير من الناس بحقوق الأجراء والعمال؛ يستأجر الواحد منهم أجيرًا فيؤدي عمله كاملاً، فيدفع الطمعُ صاحبَ العمل إلى المُمَاطَلَة والتأخير في دفع الأجرة، ولقد ازْدَحَمَتِ المحاكم بكثرة الدعاوى، واشتكت المكاتب المسؤولة من كثرة الشكاوى. وهذه الظاهرة الظالمة تَنُمُّ عن قسوة قلوب كثير من المستقدمين والمستأجرين للأجراء، وتظهر مدى جشعهم وطمعهم واستبدالهم شكر نعمة المال كفرًا، فنعوذ بالله من نفوس لا تشبع، ومن قلوب لا تخشع. وبعض أرباب العمل - هداهم الله - يظلمون الأجراء فيكلفونهم من العمل ما لا يطيقون، أو ما لم يتفق عليه في عقد العمل، وهذا مُخَالِفٌ لأمر الله بالوفاء بالعقود: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، من ظواهر تقديم الدنيا على حق الله تعالى والدار الآخرة: ما يفعله بعض المسلمين من منع عُمَّالهم من أداء الصلاة في الجماعة؛ حتى صلاة الجمعة، وربما اضطروهم إلى تأخير الصلاة عن وقتها، أو ألزموهم بالفطر في الصيام الواجب، أو منعوهم من الحج مع اشتراطه في عقد العمل، وكثير من العُمَّال قد يجدون أعمالاً في بلادهم؛ لكن يحفزهم إلى العمل في هذه البلاد المباركة التَّمَكُّنُ من أداء الحج، فيشترطونه في العقد؛ ومع ذلك لا يُمَكِّنُهم أصحاب الأعمال منه، وإن كانوا لا يتضررون بذلك، فضلاً عن منعهم من نوافل العبادات. ومن عظيم الظلم والإثم تأخيرُ دفع مستحقات الأجير والمُمَاطَلَةُ فيها، وتوقيعُه مكرهًا على استلامها وهو لم يتسلمها، وتهدُيده عند التذكير بحقه بإلغاء عقده وتسفيره، وكم في هذا الصنيع وما جرى مجراه من الظلم والبغي والعدوان، يمنعُ ضعيفًا حقه، ويأكل ماله بالباطل!! عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: "جاء أعرابِيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينًا كان عليه، فاشتدَّ عليه؛ حتى قال له: أحرِّج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك! تدري من تكلم، قال: إني أطلب حقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلا مع صاحب الحق كنتم" ثم أرسل إلى خَوْلَة بنت قيس فقال لها: (إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيَكِ)، فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله، قال: فأقرضته، فقضى الأعرابيَّ وأطعمه، فقال: أوفيت أوفى الله لك، فقال: (أولئك خيار الناس، إنه لا قُدِّسَتْ أمةٌ لا يأخذ الضعيفُ فيها حقه غير مُتَعْتَعٍ)؛ وعن أبي حُميد السَّاعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لمُسْلِم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)، قال ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم على المسلم؛ أخرجه أحمد وابن حبان. وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله - تعالى -: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمَه خصمته يوم القيامة؛ رجل أعطى بي ثُمَّ غَدَر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره). ولعظيم حق الأجير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعْطَى أُجْرَتَهُ فور استحقاقه لها من دون تأخير ولا مُمَاطَلَة؛ قال عليه الصلاة والسلام: "أَعْطُوا الأجيرَ أَجْرَهُ قبل أن يجفَّ عرقُه"؛ منقول بتصرف |
الاثنين، 23 يناير 2017
حقوق الأجراء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق