الاثنين، 23 يناير 2017

مخالطة الناس

 30-12-2016
‏ عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ". " المؤمن يألف " لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه ... فالمؤمن يألف الخير، وأهله ويألفونه بمناسبة الإيمان. " ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " لضعف إيمانه وعسر أخلاقه وسوء طباعه. والألفة سبب للاعتصام باللّه وبحبله، وبه يحصل الإجماع بين المسلمين، وبضده تحصل النفرة بينهم. وإنما تحصل الألفة بتوفيق إلهي لقوله سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ ] آل عمران: 103 [ ، إلى قوله: ﴿فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ ] آل عمران: 103 [.
قال الماوردي: بين به أن الإنسان لا يُصلح حاله إلا الألفة الجامعة، فإنه مقصود بالأذية محسود بالنعمة. فإذا لم يكن ألفاً مألوفاً، تختطفه أيدي حاسديه، وتحكم فيه أهواء أعاديه، فلم تسلم له نعمة، ولم تَصفُ له مدة. وإذا كان إلفاً مألوفاً، انتصر بالإلف على أعاديه، وامتنع بهم من حساده، فسلمت نعمته منهم، وصَفت مودته بينهم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ". ومن ثم عدوا من أعظم أنواع الصبر، الصبر على مخالطة الناس وتحمل أذاهم ... ومخالطة الناس إذا كانت شرعية، فهي من العبادة ... فمن خالطهم بحيث اشتغل بهم عن الله وعن السنن الشرعية
فإذا كان المرء في الإسلام يحسن له المخالطة، فإن هذه المخالطة ستؤدي لتأثر المُخَالط ممن خالطهم. ودليل ذلك ما نقله أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير: فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة.
على أن الخُلطة بين الناس قد تؤدي أيضاً لضياع الوقت. وهذه من أكبر الآفات التي يمكن أن تنجم عن الاختلاط بين الناس. ولنا في السلف أسوة حسنة بما كان منهم في سبيل المحافظة على أوقاتهم من الضياع فيما لا طائل من ورائه.
رأيت العادات قد غلبت الناس في تضييع الزمان، وكان القدماء يحذرون من ذلك. قال الفضيل‏:‏ أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة‏.‏ ودخلوا على رجل من السلف فقالوا‏:‏ لعلنا شغلناك، فقال‏:‏ أصدقكم كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم‏.‏ وجاء رجل من المتعبدين إلى سري السقطي، فرأى عنده جماعة، فقال‏:‏ صرت مُناخ البطالين. ثم مضى ولم يجلس‏.‏ ومتى لأن المزور طمع فيه الزائر، فأطال الجلوس، فلم يسلم من أذى‏.‏ وقد كان جماعة قعوداً عند معروف، فأطالوا، فقال‏:‏ إن ملك الشمس لا يفتر في سوقها. أفما تريدون القيام‏؟!‏ ... وكان داود الطائي يستف الفتيت، ويقول‏:‏ بين سف الفتيت وأكل الخبز قراءة خمسين آية‏.‏ وكان عثمان الباقلاني دائم الذكر لله تعالى، فقال: إني وقت الإفطار أحس بروحي كأنها تخرج لأجل اشتغالي بالأكل عن الذكر. وأوصى بعض السلف أصحابه، فقال‏:‏ إذا خرجتم من عندي فتفرقوا، لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه‏.‏ ومتى اجتمعتم تحدثتم‏.‏
منقول بتصرف

ليست هناك تعليقات: