السبت, 24 آب/أغسطس 2013
قبل
ثلاثة عقود تقريباً لم تكن المملكة العربية السعودية كما هي اليوم، وكان
جنوبها، كعادة «الجنوبات في كثير من الدول العربية»، أكثر تخلفاً. وفي قرية
من قرى الجنوب السعودي مدرسةٌ كلما وجه لها مدرس جاء بعد زيارتها رافضاً
العمل فيها ولو أدى ذلك لإنهاء عقده وإرجاعه إلى بلده الذي منه أتى، وكان
معظم المدرسين في ذلك الزمان من فلسطين ومصر والسودان «الترتيب على حسب
الكثرة».
وفي مطلع عام دراسي وجهت إدارة التعليم لتلك المدرسة عدداً من المدرسين وعادوا أعقابهم يرفضون العمل فيها، وجاء للإدارة معلمون سودانيون، وقالت الإدارة فلنجرب لعل وعسى أن يرضى السودانيون بهذه المدرسة، فوجهوا مدرسين اثنين من قدامى المعلمين لتلك المدرسة، وذهبوا ولم يعودوا كما جرت العادة مع الجنسيات الأخرى.
وبعد عدة شهور قرر مدير التعليم أن يذهب ويرى بنفسه ما خبر هؤلاء السودانيين. ويا لهول ما رأى وسمع، فقد وجد هؤلاء المعلمين لم يتركوا في يومهم فراغاً وصاروا يدرسون الأطفال صباحاً ويمحون أمية الكبار، ويعلمون النساء ما فاتهن من فقه وتعاليم صلاة، وعلموا الشباب لعبة كرة القدم، وصارت القرية كلها كخلية نحل لا فراغ ولا وقت للبكاء على ما هم فيه من بعد المكان وبعد الاسواق وملذات الحياة. ولم يقارنوا بغيرهم واعتبروا أنفسهم أمام تحدٍ لصعاب هم أهل لها، وما كانوا يرجون شكراً من إدارة التعليم وما فكروا في عائد مادي. ولكن مسؤول التعليم شد على أيديهم وثمن جهدهم واعتبر كل الشهور التي قضوها براتب آخر يسمى «الليلية» وهي محو أمية يختار له بعض المدرسين ويفضل فيه السعوديون على غيرهم ليضاعف لهم راتبهم نظير العمل الليلي.
وهذا مثال جيد لتحدي الصعاب، وإذا ما سمعت مسؤولاً يتحجج بقلة الإمكانات ويجلس واضعاً يداً على خد يسب من جاء به الى هذا المكان ويده لا تفتر عن كتابة الخطابات والطلبات ولم يحرك ما بيده أو ما هو متاح اليه ينتظر الحلول الجاهزة، فلا ترجى منه خيراً، وأنت أمام رجل غير مبدع ولا خلاق وما أكثرهم.
تذكرت هذه القصة بعد أن قرأت بالأمس لصديقي د. عبد الماجد «ثالثة الأثافي» على يمين هذه الصفحة، التي تحدث فيها عن المدرس الذي جعل من المدرسة حديقة وغابة خضراء في قرية لا بئر فيها، وكيف كان يطلب من كل تلميذ أن يأتي بزجاجتي ماء من بيته للمدرسة.
في كلا الروايتين البطل أو الأبطال مدرسون «وهنا يأتي الانحياز العلني للمهنة بلا أدنى خجل»، وهل مازال هذا الصنف من المدرسين موجوداً أم قلت فيهم البركة والغيرة والريادة ككثير من الموظفين؟ وهل سبب هذه البطولات التأهيل على تحدي الصعاب؟ أم الفطرة السليمة والاندماج مع المجتمع الذي كان مغلقاً هي ما تولِّد هذه المبادرات؟ وهل التواصل والقنوات والاتصالات وانتشار المعرفة قللت من الاندماج وانعدمت المبادرات الفردية؟ هل وسائل الاتصال الحديثة جعلت الناس في شوق للتساوي، وعندها تكون الحاجة للقدوة الحسنة خير المرمى الذي منه تنطلق المبادرات، وعندما انعدمت القدوة الحسنة وكثر التهافت على الدنيا ضُيعت الآخرة؟
فلنبدأ من القواعد، فقد شبعنا تنظيراً بلا تطبيق في كل شيء، فلتكن البداية من قواعد المجتمع.
وفي مطلع عام دراسي وجهت إدارة التعليم لتلك المدرسة عدداً من المدرسين وعادوا أعقابهم يرفضون العمل فيها، وجاء للإدارة معلمون سودانيون، وقالت الإدارة فلنجرب لعل وعسى أن يرضى السودانيون بهذه المدرسة، فوجهوا مدرسين اثنين من قدامى المعلمين لتلك المدرسة، وذهبوا ولم يعودوا كما جرت العادة مع الجنسيات الأخرى.
وبعد عدة شهور قرر مدير التعليم أن يذهب ويرى بنفسه ما خبر هؤلاء السودانيين. ويا لهول ما رأى وسمع، فقد وجد هؤلاء المعلمين لم يتركوا في يومهم فراغاً وصاروا يدرسون الأطفال صباحاً ويمحون أمية الكبار، ويعلمون النساء ما فاتهن من فقه وتعاليم صلاة، وعلموا الشباب لعبة كرة القدم، وصارت القرية كلها كخلية نحل لا فراغ ولا وقت للبكاء على ما هم فيه من بعد المكان وبعد الاسواق وملذات الحياة. ولم يقارنوا بغيرهم واعتبروا أنفسهم أمام تحدٍ لصعاب هم أهل لها، وما كانوا يرجون شكراً من إدارة التعليم وما فكروا في عائد مادي. ولكن مسؤول التعليم شد على أيديهم وثمن جهدهم واعتبر كل الشهور التي قضوها براتب آخر يسمى «الليلية» وهي محو أمية يختار له بعض المدرسين ويفضل فيه السعوديون على غيرهم ليضاعف لهم راتبهم نظير العمل الليلي.
وهذا مثال جيد لتحدي الصعاب، وإذا ما سمعت مسؤولاً يتحجج بقلة الإمكانات ويجلس واضعاً يداً على خد يسب من جاء به الى هذا المكان ويده لا تفتر عن كتابة الخطابات والطلبات ولم يحرك ما بيده أو ما هو متاح اليه ينتظر الحلول الجاهزة، فلا ترجى منه خيراً، وأنت أمام رجل غير مبدع ولا خلاق وما أكثرهم.
تذكرت هذه القصة بعد أن قرأت بالأمس لصديقي د. عبد الماجد «ثالثة الأثافي» على يمين هذه الصفحة، التي تحدث فيها عن المدرس الذي جعل من المدرسة حديقة وغابة خضراء في قرية لا بئر فيها، وكيف كان يطلب من كل تلميذ أن يأتي بزجاجتي ماء من بيته للمدرسة.
في كلا الروايتين البطل أو الأبطال مدرسون «وهنا يأتي الانحياز العلني للمهنة بلا أدنى خجل»، وهل مازال هذا الصنف من المدرسين موجوداً أم قلت فيهم البركة والغيرة والريادة ككثير من الموظفين؟ وهل سبب هذه البطولات التأهيل على تحدي الصعاب؟ أم الفطرة السليمة والاندماج مع المجتمع الذي كان مغلقاً هي ما تولِّد هذه المبادرات؟ وهل التواصل والقنوات والاتصالات وانتشار المعرفة قللت من الاندماج وانعدمت المبادرات الفردية؟ هل وسائل الاتصال الحديثة جعلت الناس في شوق للتساوي، وعندها تكون الحاجة للقدوة الحسنة خير المرمى الذي منه تنطلق المبادرات، وعندما انعدمت القدوة الحسنة وكثر التهافت على الدنيا ضُيعت الآخرة؟
فلنبدأ من القواعد، فقد شبعنا تنظيراً بلا تطبيق في كل شيء، فلتكن البداية من قواعد المجتمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق