الثلاثاء، 24 يناير 2012

ماذا يفعلون لأبيهم

كانوا عدة إخوة في غاية الأدب وحسن السلوك، الكل يسلِّم عليهم باحترام ويقابلهم من يقابلهم وكلهم خوف ووجل من أن يعيِّرهم أحد بصنيع أبيهم. أبوهم رجل شجاع وشهم ولكنه عندما يعاقر الخمر وكثيرًا ما يعاقرها لا يستطيع أن يمسك لسانه يشتم هذا ويسيء لهذا وفي كل مرة يعاقر فيها الخمر يدخلهم في حرج شديد يتعبون أياماً كثيرًا ليعتذروا لهذا ويعتذروا لذاك ممن أصابهم لسان والدهم ويكلّفهم محو أخطائه الكثير من الجهد والمال والوقت.
ومن أدبهم لم يستطع أحد منهم أن يقول لوالدهم يا أبتي اتقِ الله في نفسك وفينا، فعمرك لا يسمح لك بشرب الخمر والتفوه بمثل هذه الألفاظ، وفي كل مرة يقرأ أبوهم ما في عيونهم ويعتذر لهم  عن الحرج الذي أدخلهم فيه ويعدهم بأن تكون هذه آخر مرة.
حاول الوالد كثيرًا أن يضبط نفسه ولا يحرج أولاده ولكن ضعف النفس الإنسانية يغالبه كل مرة. هنا لم يحتمل الولد الكبير وجوده في مجتمع يعيره بأبيه فهاجر وترك له البلد برمتها حتى لا يَرى ولا يُرى.. الآخرون ظلوا بالقرب منه منهم من يحاول أن يصارحه بأن يكفَّ عن هذه العادة الذميمة ولكن الحياء يمنعهم. دعونا نبحث عن علاج آخر، ماذا لو قلنا لأبينا نحن على استعداد أن نحضر لك «الهباب» هنا واشرب في ستر لا تشمت فينا الجيران ومارة الشارع. ولكن هذه أيضاً لم يستطيعوا أن يفعلوها ووالدهم في غيِّه وفي كل مرة يستصغرهم ويعلو عليهم لم تهزمه السنين ولا الدروس السالبة.
قالوا يا عالم امتد ضرر عادة أبينا  لغيره وما عاد الأمر خاصاً به وترتب على ذلك آثار اجتماعية أخرى لم يكونوا يحسبون لها أي حساب. ما عاد يزورهم أحد في بيتهم ولا يستطيعون أن يزورا أحدًا فأصابتهم عزلة مردها فعائل أبيهم، حتى احترام الآخرين لهم قلَّ وصار بعض الذين كانوا يحترمونهم بمعزل عن فعائل أبيهم تخرج منهم الكلمة والكلمتان.
شعر الأب بكل هذا وفكّر في علاج الأمر بطريقة أخرى ليست اعتزاله الخمر  ولكن بدا في تحسين صورته للمجتمع ليمسح عاره. قرَّب إليه من لا وزن لهم وصار يغدق على الفقراء ليقفوا معه ويدخلوا داره ويخرجوا منها حتى يحسّنوا صورته وصورة بيته أمام الناس، ولكن العقلاء وقفوا بعيداً بعيداً يفكرون في علاج ناجع.
أخيراً شخصَّ الأطباء الحالة بأنها حالة إدمان سيكلف علاجها كثيراً.

ليست هناك تعليقات: