ا
|
أنقل إليكم اليوم سيرة رجل ملأ الدنيا وشغل الناس زمناً. عالم وأديب حلو الحديث قل ما تجد زاهداً في الاستماع لما كان يقدم من أحاديث في الإذاعة أو التلفزيون السعودي. تلك البلاد التي قضى فيها جل عمره بعد أن ضاقت عليه سوريا مسقط رأسه. وصفوه بأنه فقيه الأدباء وأديب الفقهاء العلامة الموسوعي علي الطنطاوي.
ولد الشيخ علي الطنطاوي في مدينة دمشق في 23 جمادى الأولى 1327ه (12 يونيو 1909م) من أسرة علم ودين، فأبوه الشيخ مصطفى الطنطاوي من أهل العلم، وجده الشيخ محمد الطنطاوي عالم كبير، وخاله الأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب الإسلامي الكبير والصحافي الشهير. تفتح وعيه على قنابل الحلفاء تدك عاصمة الأمويين وفلول الأتراك تغادر المدينة وديار الشام مقفرة بعد أن عز الطعام وصارت أوقية السكر (200 غرا) بريال مجيدي كان يكفي قبل الحرب لوليمة كبيرة. وكان أول درس قاس تعلمه وعاشه تفكك الدولة العثمانية وتحول ولاياتها السابقة إلى دويلات. فسوريا أصبحت أربع دول: واحدة للدروز والثانية للعلويين، والثالثة في دمشق والرابعة في حلب. كان الفتى علي الطنطاوي وقتها مازال تلميذاً في المدرسة، لكن وعيه كان يسبق سنه، فعندما أعلن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الجديد الجنرال ويفان الذي حل محل الجنرال غورو، رفض ذلك وألقى خطبة حماسية، قال فيها: (إن الفرنسيين أعداء ديننا ووطننا ولا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم). لله درك يا فتى أدركت ما لم يدركه الكبار، فكيف تستقبل أمة عدوها الذي سلبها حريتها وكيف تنسى ما قاله قائد هذا العدو بعد معركة ميسلون ودخول الشام عندما زار الجنرال غورو قبر صلاح الدين، وقال: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. الآن انتهت الحروب الصليبية. تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في وعي الفتى علي الطنطاوي، فقد خرج منها بدرس ممهور بدماء الشهداء واستقلال الأمة.. درس يقول إن الجماهير التي ليس عندها من أدوات الحرب إلا الحماسة لا تستطيع أن ترد جيشاً غازياً. أصبح الاحتلال الفرنسي واقعاً جديداً في سورياً، وغدا حلم الدولة المستقلة أثراً بعد عين، وكما حدث في كل بقاع العالم الإسلامي كان العلماء رأس الحربة في مواجهة المحتل وتولي الشيخ بدر الدين الحسيني شيخ العلماء في مدن سوريا قيادة ثورة العلماء الذين جابوا البلاد يحرضون ضد المستعمر؛ فخرجت الثورة من غوطة دمشق وكانت المظاهرات تخرج من الجامع الأموي عقب صلاة الجمعة فيتصدى لها جنود الاحتلال بخراطيم المياه ثم بالرصاص، والشاب علي الطنطاوي في قلب تلك الأحداث في أحد الأيام كان على موعد لصلاة الجمعة في مسجد القصب في دمشق فقال له أصحابه: إن المسجد قد احتشد فيه جمهور من الموالين للفرنسيين واستعدوا له من أيام وأعدوا خطباءهم فرأينا أنهم لا يقوى لهم غيرك، فحاول الاعتذار فقطعوا عليه طريقه حين قالوا له إن هذا قرار الكتلة (كان مقاومو الاحتلال ينضوون تحت لواء تنظيم يسمى الكتلة الوطنية وكان الطنطاوي عضواً فيها)، فذهب معهم وكان له صوت جهور، فقام على السّدة مما يلي (باب العمارة) ونادى: إليّ إليّ عباد الله، وكان نداء غير مألوف وقتها، ثم صار ذلك شعاراً له كلما خطب، فلما التفوا حوله بدأ ببيت شوقي: وإذا أتونا بالصفوف كثيرة جئنا بصف واحد لن يكسرا وأشار إلى صفوفهم وسط المسجد، وإلى صف إخوانه القليل، ثم راح يتحدث على وترين لهما صدى المرصوصة في الناس هما الدين والاستقلال، فلاقت كلماته استحساناً في نفوس الحاضرين، وأفسدت على الآخرين أمرهم، وصرفت الناس عنهم. ولما خرج تبعه الجمهور وراءه، وكانت مظاهرة للوطن لا عليه. |
السبت، 7 مارس 2015
الشيخ علي الطنطاوي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق