في الثلث الأخير من عام 1994 م عدت من الغربة، وكنت جائعاً اجتماعياً فقد اغتربنا ونحن حديثي التخرج لا نعرف عن مجتمع المنطقة كثير شيء.وكان من الأسماء التي اشتقت للقياها لكثرة ما سمعت بها الأستاذ عمر محمد إسماعيل وهو علم من أعلام قرية النوبة ( يا أخوانا الناس ديل بقبلوا حكاية قرية دي؟ دعونا نتحايل ونقول بلدة). المعلوم أن بلدة النوبة بشمال الجزرة تفوقت على جاراتها بقِدم التعليم.( يا ناس اشهدوا قلت جاراتها ولم اقل جارتها).ومرت الأيام وعرفت عمر، أنت في حضرته لا ترى إلا الابتسامة الهادئة والذوق الرفيع لا يتحدث الا همساً ويسلم عليك وكأنك من جيله رغم فارق العمر. في حضرة عمر لا تخرج الا بالدهشة اما زال في هذه الدنيا هذا الصنف؟ الحمد لله. اللهم تقبل عمر الذي عرفناه متأخرين يا للحسرة.
حتى هذه اللحظة لم اقل لكم من هو عمر محمد إسماعيل،عمر هذا من الجيل الأول للمتعلمين وهو من مواليد 1932 بالمناسبة هذا العام يحتاج بحثاً الترابي ونقد والنميري وكثير من المشاهير ولدوا في عام 1932 وتخرجوا في حنتوب. غير أن شهرة فقيدنا عمر تختلف عن شهرة الآخرين فقد أجمع الناس على عفة يده ولسانه (طوبى لك يا عمر) واشتهر بتواضعه وقال صلى الله عليه وسلم : من تواضع لله رفعه. وإني اشهد أن يوم تأبينه الذي أحيته قرية النوبة يوم الجمعة الماضي 4/9/2009 م كان بحق شهادة محبة لهذا الرجل. ما من متحدث إلا وذكر حب الرجل لوطنه النوبة ( وكنت اسمع من أبي رحمه الله :حب الوطن من الإيمان. ولا ادري مرجعه) وما من متحدث إلا تحدث عن تواضع عمر وما من متحدث إلا ركّز على عفة يد عمر وعفة لسانه.
عمر محمد إسماعيل الذي بدأ عمله 1956 م ضابطاً إداريا في مجالس السودان الريفية لم يعمل في الخرطوم أبداً بل عمل في أرياف السودان دنقلا،قلع النحل،بارا،أم روابه،الجنينة،الناصر، المدينة عرب.
ثم عًين معتمداً للاجئين وهنا حكا الأستاذ فيصل عثمان حكاية نادرة بأن عمر ارجع فائض الميزانية لروما وتلقى خطابا بان هذه حالة نادرة أن يعيد معتمد لاجئين ميزانية.( من عندي بالدولار كمان)
بعدها صار محافظاً ( بلغة اليوم والياً ) للنيل الأزرق، وعندما عين والياً في بدية عهد الإنقاذ لدارفور أسر لصديقه الطيب الواعظ بأنه لن يستمر مع هؤلاء الجماعة كثيراً.لأنني أريد أن اعمل إداريا لمصلحة المواطن وهؤلاء يريدون من يطيع أمرهم. ورجل اجمع الناس على حبه لهذه الدرجة وشهدوا بقوته ورقته بإذن الله هو من اهل الجنة (وجبت).لا استطيع أن انقل كل تلك الليلة البقية عند رب العالمين.
رحم الله عمر محمد إسماعيل وبارك في ذريته.
نشر 9/9/2009 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق