الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2011
الزمان: سبعينيات القرن الماضي.
المكان: نادي كلية التربية بس « لأنو ما في غيرها في ذلك الزمان».
على طول الصالة «بوردات» تعج بالصحف الحائطية «البلاغ» للإخوان المسلمين وأخرى للشيوعيين تلطفاً سموها «الجبهة الديمقراطية» إذ الأذن في ذلك الزمان تنفر من كلمة شيوعية نفوراً شديداً «فدلعوها» بالجبهة الديمقراطية مع تفاصيل نتجاوزها لعدم جدواها في هذا الزمان. والشيوعية راحت شمار في مرقة. وصحيفة أخرى عابثة اسمها «ثلاثة وستين ونص» وكان محرروها يخفون أنفسهم وكانت راصدة لكل الحركة الاجتماعية والسياسية في ذلك الزمان وبشفرات لا تدين كُتّابها إن عُرفوا. من كتابها من هو دبلوماسي كبير الآن في وزارة الخارجية.
وتمتاز تلك الصحف بجمال الخط ووضوحه «يومها كان في السودان كمبيوتران فقط كل منها في حجم مصنع متوسط وبإمكانات متواضعة جداً»، الخطاطون من الطلاب تتسابق عليهم الاتجاهات السياسية لاستقطابهم والاستفادة من مواهبهم.
وسط هذه الصحف صحيفة يومية حجمها جوز فلسكاب يقوم بكتابتها وتحريرها طالب واحد، والصحيفة في غاية الرشاقة، والكل يحرص على قراءتها، وهي عبارة عن مقابلة مع شخصية من الطلاب أو الأساتذة وأحيانا قليلة مع طالبة لقلتهن في ذلك الزمان.
ومما كتب محررها يوماً بعد مقابلة مع واحدة من الطالبات أجرتها معها صحيفة قومية كبيرة، أن تلك الطالبة قالت: من شروطها في زوج المستقبل أن يكون جامعياً. وكان تعليق «دنيا» ما هذا الشرط ؟إذا تقدم لك العقاد هل سترفضينه وهو خريج متوسطة. بالمناسبة تزوجت من أستاذ جامعي والآن أكيد هي حبوبة.
وقد حُظي كاتب هذه السطور بمقابلة صحفية في «دنيـا» وهي عبارة عن أسئلة وآراء عامة، ولكن بعض إجابات تلك المقابلة أفقدته كل علاقة مع بنات حواء كلية التربية. ولن يعيد ما قال حتى لا يفقد كل حواء السودان.
بقي أن نقول محرر «دنيــا» بهذه الموهبة المبكرة في الصحافة يجب أن يكون في قمة الهرم الصحفي اليوم أو على الأقل من مشاهير الصحافيين.
ولكن لم أر محرر «دنيا» الأستاذ الآن محمد علي عبد الرحمن منذ ذلك الوقت، إلا في الشاشة يتحدث عن التعليم في سنار، وكُتب تحت صورته مدير عام وزارة التربية والتعليم بولاية سنار.
وترك الصحافة لا أدري لماذا؟ وهو الذي صار اسمه «دنيـا» بسبب صحيفته.
هل طبيعة العمل في ولاية سنار شغلت هذه الموهبة من المواصلة؟
هل الصحافة لا تنمو إلا في العواصم؟
أفيدونا يا أولاد الفاتح النور كيف نبتت كردفان في الأبيض؟ في ذلك الزمان الذي لا فيه انترنت ولا إيميل ولا مطابع مثل مطابع هذا الزمان.. يبدو أننا نتقهقر في أشياء كثيرة، وتمركز في العاصمة من كل شيء واحد منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق