الاثنين، 9 سبتمبر 2013

يا زبير قد «جَاءَكَ يَسْعَى»

 الخميس, 29 آب/أغسطس 2013

الهاتف في العيد يلح عليك أن تردّ المعايدة، من المسافات البعيدة تسعى الأصوات، من أعماق الزمن تعود الذاكرة إلى صوت طالما قبرته السنوات، يهاتفك، كان ذاك هو الصوت الذي دُفن في أعماق الذاكرة.. ذات النبر والضحكة التي غابت عن السّمع ثلاثة عقود ونيفاً من الزمان.
إنه الزميل الأستاذ «محجوب محمد جعفر» وعنه يحلو الحكي ومعه تُجترُ الذكريات العطرات، وفيه يطول ويطول الوقوف عند مرافئ الزمن الجميل. ومن رعيل «الغرباء» معلمي الزمن الذى لن يعود ! بل الذى تُذرف عليه الدموع ، تمطى، مرح وقدل في أرجاء بسيطة الوطن، متنقلاًَ بين أحراش «كبويتا» شهدته يقاسم «النميري» قائد الكتيبة، رقصة «الأشولى» ويرسم صباحاً على ترابها حروف الأبجدية ميلاد عربي جوبا. ودارفور بقلمه الأحمر نقَّط على أسطر أعرافها وسوالفها، فرفعت ألواح الأردواز تخط  سورة «الإخلاص» برسم ورشيٍّ ودوريٍّ. وما عرفت «كلاشاً ولا دوشكا» كردفان الكبرى، هناك وفيها أفاض وكتب تاريخاً، في شرقها «أم روابة والرهد» حتى وكأنه «مالكها المُفتي»، ما ذُكر تفوقٌ أو نجاح لمدرسة إلا وكان اسمه موقعاً على شهادة امتيازها، سيرته لا تذكر إلا وتذكر جماعة «ظرفاء» مدينة أم روابة التي كان مركز دائرتها وكاتب رؤوس مواضيعها، والرُّفقة سفيان، الجزولي، ابن عمر والرّيس ود البشير وحتى ود بكري وود الحكيم، والمدينة تحتشد طرباً تنقل عنهم.
ولليمن السعيد نصيب من شذى عطره، فقد نفح به علماً «حاشدها وبكيلها»، فشهدت له ووقعت تزكيتها بخاتم قحطاني! ثم الستون، سدرة المنتهى واتكاءة القادرين، وظلُّ معاشها ! والمميزة «مدني» زهرة المدائن ونبع النَّادرين المميزين من نظرائها كانت المأوى له بين أوتادها من أصهاره، من فرط قبح ما أبصر، وآثرت عيناه حامدة شاكرة أن تتقد البصيرة!!  فلا حاجة لبريق عين!!
حكى على الهاتف: منحته «مدني» قطعة سكن شرق نيلها منتصف التسعينيات ولله الحمد، تمناها لو كانت غرب النيل ــ ليس ما يتمنى المرء يدركه، وجمع فصوص الطباشير وصفَّها مقوداً يطرق به أبواب أُولي الأمر آملاً استبدال شرقٍ بغربٍ يحسبه كشف تنقلات مما عهد !!! وما درى أن استبدال شرق بغرب عند الإسكان يدخل مزادات فرق السعر فما بينها «مليون ونيف» من الجنيهات مهراً للغرب! وأرقام كهذه في ذلك الزمن.. وحتى يومنا هذا تصرع جيل المعلمين «الغرباء» الذين ينتهي العد عندهم في الرقم «مائة وأربعة وأربعين» نهاية جدول الضرب، بل وأظن حتى أن الحداثيين منهم كذلك، ولو طرقوا أبواب الدروس الخصوصية.
  لم يفتر فقد ظلَّ بمِوقدِه يطرق أبوابهم عاماً تلو عام، ومتوالية التوصيات خيراً به تترى، من المدير إلى الوكيل ومن الوكيل إلى الوزير ومنه إلى التنفيذيين مربط المزاد والبورصة، ويبقى الحال على ما هو سوى متغيرٍ واحد هو «فرق السعر» الذى يصعد حتى تجاوز «الأربعين !!» مليوناً.. عجز عن المليون فزادوه كيل أربعين!!
  أخي محجوب، هناك في «مدني»: من جوار قبة «المجذوب» في دامره، أحسدك على متر أرض مُنحتَه «سهل الجزيرة» وأنا أُمني نفسي شبراً على عتمور «البيوضة» فلا مدير ولا وكيل ولا وزير أوصى لي بها. وعزاؤنا:
فصولٌ بدأناها وسوف نعيدُها ٭٭ دواليْكَ واللحنُ المكرَّرُ يُسأمُ
  فمن كان يرثي قلبُه لمعذب ٭٭  فأجدَرُ شخصٍ بالرثاءِ المعلمُ
أخي «الزبير» الوالي محجوب من مجاهدي الأبجدية المتقاعدين، وأنت شيخ المجاهدين المرابطين السَّاهرين قد «جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى» «أ» فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى»!!

ليست هناك تعليقات: