الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

رسالة من تحت الكفن

  الإثنين, 23 أيلول/سبتمبر 2013 

إلى أخي:
بالأمس رأيتك « تتلفح» كفناً رثاً، ربما ألقاه على كتفك محسنٌ، أو ربما، المتعجلة بنا «حسن الخاتمة» تتوكأ على ساقك الثّالثة، عصاة المآرب. وما أدهشتني إنحناءة ظهرك راكعاً، وأعلم أن  الغضروف قد نخر مصفوفة فقراته.
تكلّسُ وأورامُ المفاصل، رُكبةً وأمشاطُ أقدام، بعضٌ من وخز إبر النقرس وإن لم تكن ملكاُ متوجاً.
ودهان ما بعد السبعين النّاصع الذي بلل هامة رأسك، ما كان إلا نثار لؤلؤ الدموع على ربيع عمر انصرف.
أخي:
الذي أثار حفيظتي هم أولئك النّفر الذين أحاطوا بك سواراً عند عتبة دارك، تمايزوا بينهم زياً وبسطة ومقامات، وعليك دفق شباب، سعةً ورغد عيش!!
من أين جاءك هؤلاء ؟
وسمعتك تردُّ متحشرجاً: إنهم ملائكة الرحمة الذين حملوا على عواتقهم هموم الأسر الفقيرة وعاهدوا أنفسهم على انتشالنا من وهدة الفقر والذلة والمهانة إلى مرافئ الأمل بعد الشُّح والإشفاق، وأشهدوا الكون على ذلك بإعلامهم.. إنهم رسل «بنك الأسرة» إذن جاءوك أخي وليس في ركبهم «معن بن زائدة» بل في معية رجال الشرطة المأمورين بقبضك!! لا شك فأنت مدين لهم وغارم!! كيف لا وأنت في خريف عمرك صدّقتَ «حنُوَّ مرضعاتهم» البنكية، فقبضت عشرة آلاف من الجنيهات!! ثم استحلبت أوردتك وشرايينك آخر قطراتِ دمها وحتى «نزيز» عرقك إيفاءَ سدادها.
وجفت الأوردة والشرايين وانسدت مسامات العرق دون سداد ألفي جنيه تبقت في رقبتك.
ألفان من الجنيهات أغضبت عليك «بنو تميم» ومن قبل تغنوا وحنّوا و «لحنوا» أناشيد الفرج بمفارقة الفقر، فالتمويل الأصغر والصغير أصبحا على قفا من يشيل، والإعلام «نصف البصير» يضجُّ وينبح، والقائمون على العباد والبلاد يستحثون من هب ودبّ، أن يقدموا إلى المال المُيَسَّر من خزائن البنوك التي سمُّوها ومنها الأسرة والادخار.. الخ.
حسِبَ الناس أن السماء فَتحت أبوابَ البنوك جمعياتٍ خيرية، وأن المالَ مالُ حكومة فلا دائن ولا مدين، ونسيَ ذلك الإعلام «السياسي» أن يُذكِّر المتهالكين على التمويل البنكي، بأن المالَ مالُ مودعين وواجبُ السداد، وأن ذات بنوك الرحمة المسماة خاضعة  لضوابط البنك المركزي، وعليها ما على بقية البنوك التجارية من إيفاء ضمانات وسداد دين، وإلا خرجت وما عادت.
نعم لقد صحبتك بالأمس إلى ذلك البنك الدائن شافعاً  ومخيراً دائنيك إما أن «يرجه» أو «السجن أحب إليّ» فسبحان الله!! كانوا بك رحماء مشفقين حتى لتحسبنّهم لو كان دينهم شخصياً لعفوه، ولكن ليس لهم في الأمر خيرة سوى إرجاء تاريخ السداد، وقرّبوا المدة ليس تعسفاً بل خوفاً من مغادرتك الدنيا الزائلة.
أخي: لا أدري ماذا يخبئ القدر غداً لنا جميعاً، أتمنى أن يتولى الله تفريج كربتك وقضاء دَينك، وأن يتذكر الماضون إلى التمويل، صغيراً كان أو متناهياً، ألا يعتمدوا «إعلام الاستدعاء» المادح لشرِّ دَينٍ لا يُعفى، ولكم في «محمد» أخي!!! عبرة.
محمد الفاتح مصطفى
> من الاستفهامات:
لولا تفرد لغتك الأستاذ محمد الفاتح لما نشرت هذه الرسالة، ونشر الأدب الممتع من أهدافنا. غير أننا لا نقبل في التمويل الأصغر كلمة سالبة لما نأمله فيه. ورد الدين واجب، والنظرة إلى ميسرة أمر رباني، لذا العبرة في إعمال الحق وإبعاد الهوى.

ليست هناك تعليقات: