الخميس, 08 كانون1/ديسمبر 2011
يبدو لي والله أعلم أن أوسع مجالات العلوم تنظيراً هي علم التربية. وكان أستاذنا المرحوم بروفيسور مندور المهدي رحمه الله كثيراً ما يضرب المثل بالبروفيسور محجوب عبيد رحمه الله، في أنه كان محظوظاً أن وجد مدرسين يعرفون كيف تعالج الحالات الخاصة. فمحجوب كان حاد الذكاء، وحدة الذكاء والتخلف كلاهما صار يعرف بالحالات الخاصة. فقد فتحوا له المكتبة حتى لا ينتظر الآخرين الذين معدل إطلاعهم كتاب أو كتابين في السنة، وعند محجوب هذا ورد يوم أو يومين. اللهم ارحمهم جميعاً.
قضيت جزءاً من يوم الثلاثاء 6/12/2011م في قاعة الشارقة حاضراً للمؤتمر السنوي لكلية التربية جامعة الخرطوم «طبعاً» وبسبب الريد القديم كان لزاماً علينا حضوره. ولفت نظري أن الحضور جلهم من أساتذة الجامعات وهذا شيء جيد، ولكن افتقدت أساتذة المدارس وخريجي التربية لأعوام كثيرة، ولم أجد من زملاء الدراسة غير ثلاثة وكلهم أستاذة جامعات. ودعونا نقول إن حساسية التعليم لا تسمح لمعلم بأن يخرج من مدرسته لحضور مؤتمر ولو كان مهماً مثل هذا. «هذا إذا استبعدنا عامل العمر».
وقُدمت في الجلسة الثانية التي حضرتها ثلاث أوراق أحدها سنخصص لها هذه المساحة اليوم، وهي باب للجدل التربوي قديم. ومقدم ورقة «ذوو الاحتياجات الخاصة» البروفيسور هارون كان مصراً على أن دمج ذوي الحالات الخاصة لا بديل له، معدداً من الأسباب ما يعزز ما وصل إليه في بحثه. وبعد الورقة انهالت الآراء المضادة وخصوصاً من المعقب على الورقة مريم حسن عمر مديرة مدارس الموهوبين بولاية الخرطوم، وقد كانت مصرة على أن عزل الاحتياجات الخاصة هو الأفضل، وضربت مثلاً بأنه إذا نزلنا إلى أي من طرفي المنحنى ستجدنا لم نستطع توفير الحد الأدنى لهم، وسيكون هناك فاقد ما لم يعزلوا.
وقام معقب آخر وشن هجوماً عنيفاً على المدارس النموذجية بدرجاتها، واعتبر ذلك ودون أن يبرر تمييزاً تربوياً مرفوضاً. ولكن مريم كانت مصرة في تعقيبها الأخير، وبصراحة أنا معها. ولنثبت ذلك نقول إن كثرة التركيز على الفروق الفردية في كل محاور التربية والاهتمام بها كثيراً يدل على أن العلاج لا يمكن أن يكون عاطفياً فقط، وسيكون هناك «مظاليم».
وبصراحة العزل التربوي للموهبين أو الحالات الخاصة كان يمارس في هذا السودان منذ زمن بعيد وبدون إعلان اللجان التي كانت تعقد، حيث يجلس للامتحان «500» طالب ويقبل منهم للمرحلة العليا فقط «40» طالباً، ويذهب الآخرون ليس لمدارس أقل بل للشارع، ومعظمهم ناجحون ولكنهم غير متفوقين. هذا أسوأ أنواع العزل، حيث أنه إجحاف وطرد من التعليم تماماً، وليس لمدرسة أقل درجة كما كان صاحبنا المعقب الآخر محتجاً عليه.
أمر التربية صعب علاجه بالإطلاق، فكل حالة تستحق دراسة منفصلة وعلاجاً خاصاً، ولما كان هذا يحتاج إلى فرق كثيرة وعلماء وخبراء بقدر عدد الدارسين، يلجأ التربويون إلى سددوا وقاربوا، ليصلوا إلى شبه المثال وما أصعب المثال المطلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق