الأربعاء، 30 مارس 2016

لم ينعه أحد

26-03-2016
قدم مدير المدرسة نتيجة التلاميذ هكذا: الأول إسماعيل محمد الطيب ورجع وجاء بعد خمس دقائق تقريباً ليقول والثاني أحمد أبو الحسن أحمد ليدلل على أن الفرق بين الأول والثاني كبير جداً لا يعقل أن يذاع اسم الثاني مباشرةً بعده ولا بد من حفظ هذه المسافة.
كان إسماعيل ابناً وحيداً مع ست أخوات، ومن كان هذا حاله لابد أن يدلل ويعامل معاملة خاصة. إسماعيل كان مهذباً ومؤدباً لدرجة بعيدة منذ أن كان صبياً وتلميذاً في المدرسة يشعرك بأنه رجل كامل قليل الضحك كثير الابتسام، يسمع، وقليلاً ما يتكلم. رغم صلة القربى انقطعت صلتي به بعد المرحلة المتوسطة التي درسها في بلدتنا إذ ليس في قريتهم مدرسة متوسطة.
ومن كان هذا طبعه وذكاءه فلن يقف أمامه تعليم. ودرس الثانوية في الكاملين ودخل كلية طب الخرطوم بارتياح شديد وتخرج طبيباً.
في هوس الغربة وتردي الاقتصاد هاجر د. إسماعيل ليعمل طبيباً في اليمن ويبدو لي هذه كانت غلطة عمره إذ لم يتقدم في مجاله ليصل درجة الاخصائي أو الاستشاري ولا أظن ذلك عليه بعسير ولكن إرادة الله، ثم أخطاء القرويين.
عمل د. إسماعيل باليمن سنين طويلة وتزوج وأنجب ابنين فقط (اللهم احفظهم وبارك فيهما) وعاد للسودان ومكث قليلاً إذ قابلته صعاب كثيرة في العمل والالتحاق بوزارة الصحة مرة أخرى. ومثله لا يشكي ولا يشتكي. وهاجر مرة هذه المرة للسعودية.
لو كان للكلام أداة قياس (أو عداد) وقاسوا به كل ما تكلم به د. إسماعيل في عقوده الخمسة التي عاشها لوجدت تعادل كلام بعضهم في يوم ولأنجو من المبالغة ندعها في يومين. تخيلوا واحد من الذين يتحدثون دائما ولا يسمعون إلا قليلا ويتحدثون في كل شيء بعلم وبغير علم ويحتكرون المجالس من الصباح إلى المطاح حديث هؤلاء في يوم يعادل كل ما قاله د. إسماعيل في حياته.
وداهمه المرض اللعين السرطان وأخذ درة وشابا في ريعان الشباب، ولا نقول إلا ما يرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون.
أحزنني موته وأحزنني أكثر أن لم أجد له نعياً لا من جهة رسمية ولا خاصة حيث لم يعمل في السودان كثيرا ولا جالية ولا أقارب، حز في نفسي كل ذلك وأردت أن اريح نفسي بنعيه وأقاربه ومعارفه فهو فقد بحق وقدوة فقدناها.
اللهم أرحم عبدك إسماعيل محمد الطيب، رحمة واسعة وبارك في ذريته أو في ولديه وأجعلهما خيراً منه.
تخريمة:
أين مراقب طريق الخرطوم مدني؟ متى سار في هذا الطريق الذي تعددت فيه الحفر وكل حفرة إما حادث أو قطع غيار وكلاهما يمكن تداركه إذا ما تحرك مراقب الطريق ورأى بعينه هذه الحفر التي هي في ازدياد وتوسع. وأكرمها بقلاب ترقيع كما يفعلون كثيراً وهم يشكرون على ما يقومون به. (شفتوا طموحنا وصل وين؟)

ليست هناك تعليقات: