السبت، 19 يونيو 2010

بنك الأسرة والمكان الخطأ

أن تفكر الحكومة في محاربة الفقر هذا ما يحمد لها بل من واجباتها دون أن نسأل ما أسباب الفقر. ومحاربة الفقر لها عدة وجوه يمكن أن تطعم جائعا سمكة ويمكن أن تعلمه صيد السمك غير أني ابحث عن ثالثة.

فكرة بنك الأسرة بُنيت على إخراج الأسر الفقيرة من دائرة الفقر وذلك بتمويل صغير يبدأ من ألف جنيه ويصل في حده الأقصى 10000 جنيه مشترطاً دراسة جيدة للمشروع ولا أدري ما الضمانات التي يطلبها. كل المستهدفين في العاصمة هم نازحون من الولايات بعد ان ضاق بهم العيش في ولاياتهم وبعد ان تضخم الرأس ونحلت الأعضاء ( أخصائي شاطر يشخص ويضع الوصفة، قلنا أخصائي ولم نقل نائب أخصائي ليه؟ ما أنت عارف اهو).

يبدو إن بنك الأسرة لم يختر المكان الصحيح - ولنكون دقيقين في تعبيرنا - لم يختر المكان الأصح.المشاريع هنا يُبحث عنها بحثا وكل فكرة تجد من سبقوهم عليها وتبقى بعد ذلك شطارة الطالب للتمويل في عاصمة من أغلى العواصم في العالم أرضاً وأجرة ارض.ولا داعي أن نقول: وليس أقبح منها إلا مقديشيو وصنعاء كما في رواية السائح الأوربي. في معادلة كهذه يصعب الاستثمار الصغير وكثير من طالبي التمويل نازحون جاءوا بعقول بدوية أو شبه بدوية.

غير أني أرى كوقاية للنزوح والهجرة إلى العاصمة (كدت أكتب للعواصم ولكن حتى عواصم الولايات صارت طاردة) أرى أن يتعب بنك الأسرة قليلاً ويخرج من الخرطوم حيث الرئيس ينوم والطيارة بتقوم ويترك الماء المثلج والتكييف البارد ولو لشهر واحد ويذهب حيث يبيع المزارعون أعز ما يملكون ليواجهوا متطلبات الزراعة الأولية . إذا نجح الزرع نجح الضرع وتحسنت الصحة وتوفرت فرص العمل ليس للذي استلم التمويل وحده ولكن لدائرة كبيرة منها عمال الزراعة على مختلف مستوياتها وأنواعها.

الزراعة دورة حياة وكثير من المزارعين لا يزرع لسبب بسيط انه لا يستطيع تمويل عمليات الفلاحة الأولية.في السابق كان في مشروع الجزيرة يوم كانت الدولة تعرف قدر الزراعة - وقبل أن يخدعها عائد البترول المتشاكس فيه – كانت الدولة تقدم للمزارعين في بداية الموسم ما يعرف بالسلفية التي يعلم المزارع علم اليقين أنها ليست هبة وأنها دين مسترد لذا نجدهم يتبارون في إنجاح زراعته ويدخلون في تحدٍ صامت.

لو أراد القائمون على بنك الأسرة مني نصيحة يحققون بها أهداف فكرتهم النبيلة فاني أريحهم من الدراسات والاقتناع بالدراسات وجديتها وعدم جديتها، فقط اذهبوا للمشاريع المروية التي رفعت الدولة يدها عنها وسلفوا هؤلاء المزارعين في بداية موسم الزراعة – الذي هو الآن – فقط ألف وألفين جنيه كل حسب مساحته وانتظروا عائدا يرد كل النازحين. ونسبة غير الجادين الذين يصرفونها في غير ما خصصت له ستكون نسبة لا تذكر وحتى هذه النسبة إن وظفتها في مصاريف طالب أو علاج مريض خير وبركة.

أتمنى أن يأخذ بنك الأسرة زمام المبادرة وسيخرج ملايين من الفقر وليس آلاف.

ليست هناك تعليقات: