الأربعاء، 9 فبراير 2022

ابن الغابات يوثق

 

اذا كان المغفور له بإذن الله كامل شوقي أبو الغابات فإن ابنها هو د.عبد العظيم ميرغني. هذا الرجل الذي أخلص للغابات واعطاءها كل ما يستطيع وحافظ عليها وطوّرها أيما تطوير. ويشهد الله كلما رأيت شاحنة تحمل حطباً أو كوم حطب أمام مخبز أو جوالات فحم تذكرت د.عبد العظيم ميرغني وكيف ضاع كثير من جهده بندرة الغاز التي انعكست انهاكاً وقطعاً جائراً على الغابات.

الى ما كتب د.عبد العظيم بمناسبة مرور قرنٌ وخُمس على مصلحة الغابات. حفظه الله.

تمر بنا هذه الأيام الذكرى المائة وعشرون على إنشاء أول إدارة للغابات بالسودان في العام 1902م، والذكرى المائة على إنشاء أول سوق مزاد للصمغ العربي (دخولية) في العام 1922م، والذكرى التسعون لصدور أول سياسية للغابات من مجلس حاكم عام السودان في 31 يناير 1932م. 

في العام 1902م أنشئت مصلحة الغابات والأحراش كأول مصلحة زراعية في السودان. وكلف مديرها عالم النبات والغابات البريطاني أ. ف. براون بإدارتها وإدارة مصلحة الزراعة التي أنشئت في العام 1903م وحتى العام 1905م حين فصلت المصلحتان عن بعضهما. كانت أول مسؤوليات مصلحة الغابات عند إنشائها حجز الغابات وحصرها (عد أشجارها وتحديد مساحاتها ورسم خرطها) لتوفير حطب الحريق للبواخر النيلية والمدن الكبرى. بدأت مصلحة الغابات نشاطاتها بهيكل إداري قوامه مدير و 8 موظفين وحارس غابات إيطالي. وميزانية قدرها خمسمائة (500) جنيهاً مصرياً دون أن تكون هناك إيرادات. أول إيرادات كانت في العام 1905م عبارة عن ناتج بيع أخشاب وحطب حريق بلغت حصيلته 4699 جنيهاً صرف منه للغابات 111 جنيهاً لإصلاح شأنها وتعيين 4 مفتشين لها. كانت بداية عمليات الحجز بغابة لكاداوية بالنيل الأبيض في 15 يونيو 1926م بمساحة قدرها 268 فداناً ثم توالت عمليات الحجز لتبلغ حالياً قرابة 28 مليون فدان. وفي أعقاب ثورة البطل الثائر عبد القادر ود حبوبة في العام 1908م نشطت أعمال الغابات بعد أن قررت حكومة المستعمر لأسباب أمنية في المقام الأول مد خطوط السكة حديد من الخرطوم جنوباً الى سنار ومنها غرباً إلى الأبيض، فتم إدخال منشارين حديثين لتوفير المراقد الخشبية لقضبان السكة حديد والوقود للقاطرات من شجرة السنط. بوصول السكة حديد إلى مدينة الأبيض نشطت تجارة الصمغ العربي حتى احتل المركز الأول في قائمة صادرات البلاد.

في العام 1922م وبمبادرة من مساعد محافظ الغابات بكردفان تم إدخال نظام تسويق الصمغ العربي عن طريق المزادات (الدخوليات) لحماية منتج الصمغ الصغير وضمان تامين السعر المناسب له؛ بعدما تبين أنه قلما يحصل علي الدخل الذي يتناسب وما يبذله من جهد في الوقت الذي يذهب فيه معظم ربح تجارة الصمغ للوسطاء والسماسرة والتجار. وبعد نجاح التجربة في النهود انتقل نظام الدخولية في العام التالي (1923م) إلى مدينة الأبيض ومنها إلى أسواق الصمغ المعتمدة بمحافظة كردفان وذلك تحت الإشراف المباشر لمساعد محافظ الغابات من مكتبه الكائن بسوق الصمغ بالأبيض. ومن ثم توسع نظام الدخوليات حتى عم كل أسواق الصمغ في الولايات الأخرى المنتجة للصمغ.

في 31 يناير 1932م صدرت سياسة الغابات 1932م من مجلس حاكم عام السودان السير ج. ل. مافي في الجلسة رقم 368 بغرض تحقيق مبدأ تقسيم السلطة (المسؤوليات) بين المركز والمديريات (الأقاليم والولايات حالياً). واشتملت السياسية كذلك على توجيهات بقطع الأشجار داخل وخارج الغابات والمناطق المحجوزة كما أوضحت بجلاء المحظورات وامتيازات وحقوق السكان في موارد الغابات. لا زالت هذه السياسة سارية حتى الآن رغم مرور تسعون عاماً على إصدارها بعد إدخال بعض التعديلات عليها في العام 1986م لمواكبة المستجدات التي طرأت منذ إصدارها. هذه السياسة وتعديلاتها هي التي عناها أبونا وأبو الغابات كامل شوقي رحمه الله في وصيته لأهل الغابات بقوله: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا أبدا".

 

كانت تلك لمحات من البدايات الأولى لنشأة مصلحة الغابات والأحراش التي تطورت وأصبحت حالياً هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تحتفل بمرور الذكرى المائة وعشرين لتأسيسها.

 

ليست هناك تعليقات: