الجمعة، 16 ديسمبر 2016

الناظر

 19-11-2016
يحكى أنه في زمن مضى كانت هناك قرية ليس فيها من مرافق الحكومة إلا مدرسة أولية. كانت هذه المدرسة غير جاذبة للمدرسين ويعتبرونها منطقة شدة أو منطقة نائية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة. وكل مدرس أو ناظر ينقل إليها يولي راجعاً إلى إدارة التعليم يرجو أن يعفى من هذا التكليف ونسبة لما تدخله المدرسة من حرج على الإدارة في أنها غير قادرة على توفير المدرسين، تطلب من المدرس الذي يقع عليه النقل أن يقضي سنة واحدة فقط وبعدها ينقل.
بل بلغ الأمر بإدارة التعليم أن تطلب من المدرسين أن يبقوا فيها نصف سنة فترة دراسية واحدة.
كل الإدارات والمدرسين الذين تعاقبوا على هذه المدرسة لم ينسجموا مع المواطنين ولم يضعوا حلولاً لمشاكل القرية وكانوا يترفعون عليهم ويعتبرون المواطن من طينة أقل.
في سنة ما بعثت لهم إدارة التعليم بناظر من شاكلتهم ريفي مثلهم وجاء الناظر إلى القرية واندمج مع مواطنيها أحبهم وأحبوه، أكل أكلهم وشرب شرابهم وبدأ يقدم حلولاً لما بين يديه من مشاكل، وطلب من إدارة التعليم أن يعطوه حرية اختيار المدرسين وكان قد اكتشف ما يحل المشكلة إذ بدأ باختيار مدسين قرويين تشبه ظروفهم ظروف أهل القرية.
نهضت المدرسة نوعاً ما وبدأ التفاؤل وسمع أهل القرية حديثاً حلواً لأول مرة وبنوا آمالاً على هذا الناظر الجديد. وصار هناك حراك مجتمعي خصوصاً في المدرسة وكانت كل احتفالات المدرسة يحضرها كل أهل القرية ويسمعون من الناظر إنجازاً أو وعداً بإنجاز في المدرسة، وتطوراً ويعقب الحديث دائماً حفل غنائي يشارك فيه الجميع حتى الناظر.
وتمضي الأيام والناظر ثابت والمدرسون يتغيرون والغريب انه رغم أن اختيار المدرسين من القرويين إلا أنهم صاروا يتعالون على المواطنين وينعزلون عنهم ويقلدون أولاد المدن الذين سبقوهم في كثير من مناحي الحياة.
بدأت جماعات المدرسين الخالفين تبجل الناظر تبجيلاً شديداً ويعظمونه تعظيماً شديداً ويثنون على ما قدم لهذه القرية. وفي كل مناسبة يعرضونه إلى أهل القرية بأنه لو لا هذا الناظر الفريد لما وجدوا من يدرس أولادهم أو يدير لهم مدرستهم.
بنى الناظر في تلك القرية بإيعاز من المدرسين الذين حوله منزلاً ضخماً بعيداً عن بيوت أهل القرية وأحاطه بسور عال وما عاد يلتقي بأهل القرية كثيراً ولا يقرب إلا بعض المدرسين الذين يكيلون له الثناء والمديح ويحجبون عنه كل أخبار القرية والمدرسة ودبت الفوضى في المدرسة وصار كل مدرس يطلب من التلاميذ ما يراه مقابل الدروس الإضافية وقل العطاء العام وعادت المدرسة أسوأ مما كانت عليه في السابق في نجاح التلاميذ ولم يبق من إنجازات الناظر الا مبانٍ ومولد كهرباء.
صارت الهوة كبيرة بين الناظر والمدرسين وأهل القرية إلى أن وصل الأمر بأهل القرية أن بدأوا بالجهر في بث شكواهم أو يطالبون بنقل الناظر.
والناظر المغيب عن واقع المدرسة والقرية والذين من حوله يصرون على البقاء ويصورون له أن الأمر في المدرسة عال العال وهي أفضل من المدارس التي حولها.

ليست هناك تعليقات: