الجمعة، 25 نوفمبر 2011

درس العصر والعَصِر

الثلاثاء, 15 تشرين2/نوفمبر 2011

بين يدي المؤتمر التربوي العام المقام في ديسمبر القادم.
إليكم هذه الواقعة الأليمة
جاء التلميذ الصغير فرحاً ليسجل اسمه في الرحلة المقامة يحمل مبلغ الرحلة الذي انتزعه من والده بعد دموع غزيرة وذلك ممنياً نفسه بركوب الحافلة مع أقرانه ويزوروا العاصمة ويمروا على متاحفها ويأكلون وجبة أو وجبتين ليست كالتي في بيوتهم ويغنوا ويفرحوا طول الطريق.
المعلمة استلمت المبلغ وشطبت اسم التلميذ من قائمة الرحلة وانتهرته: إنت ما دافع حق درس العصر وهذا المبلغ سنسدد لك به درس العصر وما تمشي الرحلة.
لو حدث هذا في بلد راقٍ لتحول لقضية أمام المحاكم من جراء الصدمة التي أصابت التلميذ الصغير، ولو حدث هذا في بلاد صعاليك لحمل والد التلميذ عكازته وأدارها في من لقي من المعلمين والمعلمات انتقاماً لما أصاب ولده من هذه الحادثة.
وبعد
كان الولاء لمهنة التعليم كبيراً من المعلمين قبل عقود وكان الراتب مجزياً جداً وكانوا يتنافسون في ما بينهم على إنجاح التلاميذ ـ النجاح بتعريفهم هو دخول المرحلة القادمة متوسطة كانت أم ثانوية ـ كل معلمي مرحلة كانوا حريصين كل الحرص على إدخال أكبر عدد من تلاميذ المدرسة للمرحلة الأعلى.
وسائلهم في ذلك زيادة الجرعات أو التكرار الذي يعلم الشُطار وذلك بزيادة الزمن الرسمي.. وجاءوا بما سميَ درس العصر للمدارس التي لا كهرباء فيها وهذا يعني جمع الطلاب عصراً ليقدموا لهم مزيداً من الدروس أو تكرارها.. والتي فيها كهرباء وداخليات كانت هناك «المذاكرة» وهي زمن بعد المغرب يصل لساعتين يذاكر فيها الطلاب دروسهم في صمت وتحت إشراف المعلمين الذين يقومون بمراقبة الانضباط من حضور وغياب وصمت. كل ذلك كان يقدم بلا أي مقابل مادي لا من الحكومة ولا من الطلاب.
وتبدل الزمان
وصار كل ما ذكر آنفاً بمقابل مادي يدفعه الطلاب بدءاً بنهايات المراحل مثلاً السادس سابقاً أو الثامن الآن. دفع أولياء الأمور برضا إعانة للمعلمين الذين يقطعون من وقتهم الخاص وحرصاً على دخول الأبناء للمرحلة القادمة. واعترافاً مبطناً بأن الراتب لا يكفي. وكل ذلك تطوعا من أولياء الأمور هم يحددون الفئة وطريقة الدفع.
وتولى الأمر بعد ذلك المدرسون وكأنه حق غير قابل للتفاوض.. أوصلوا الأمر إلى الفصل قبل الأخير السابع مثلاً وصار الدرس الإضافي للثامن والسابع وهكذا تمدد إلى الفصول الدنيا إلى أن بلغ في أغرب حالة إلى الصف الأول الابتدائي ولم يعد الأمر اختياريًا ولا تطوعًا بل صار بمقابل مادي باهظ يزيد كل سنة في متوالية حسابية كبيرة الثابت «اسألوا أهل الرياضيات عن ثابت المتوالية وحدها الأول وحدها النوني» نعود بالله كيف يجبر تلميذ الصف الأول ذو السنوات الست على درس عصر؟ وبمقابل والويل كل الويل لمن لا يدفع.
ليس من التربية وليس من المعقول ما يجري في مدارسنا التابعة لوزارة التربية والتعليم.. وأطفال الحلقة الأولى حاجتهم إلى اللعب أكبر من الدروس «المعسمة». الحلقة الأولى تعني أول وثاني وثالث هذا الشرح للبعيدين عن التربية.
ما لم أرَ قراراً يمنع طلاب هذه الحلقة من درس العصر سأتهم كل القائمين بالتربية تُهم أقلها الجهل التربوي.

ليست هناك تعليقات: