بتاريخ : الجمعة 10-06-2011 08:53 صباحا
أنا من عشاق أم درمان بكل تفاصيلها من أزقّة وحارات قديمة من فتيح للخور للمزالق والمسالمة، لذلك عندما هجاها شاعرنا الكبير محمد الواثق بقوله:
من كل ماكرة في زي طاهرة٭ في ثوبها تستكن الحيّة الذكر
عجبت جداً لهذا الكلام ولكن قلت في نفسي إنما هذا قول شاعر يحتمل أكثر من معنى وربما يكون محض خيال. وزادت دهشتي عندما تساءل ذات الشاعر مستنكراً:
الحر والعبد والمخبول ضاجعها
عجبت هل هذه أم درمان أم روما؟
قيل هذا وأم درمان لا ذنب لها، ولكن ما كتبه الصحفيون عن شوارع الخرطوم ليس قول شاعر بل يشير لحقيقة مرة ومؤلمة جداً. ونظراً لكثرة ما كتب من مقالات وأعمدة عن الفساد الأخلاقي في شوارع الخرطوم، أودُّ أن أتطرّق لبعض جوانب المشكلة كما عرضت في الصحف، فهي تشير إلى انتشار الظاهرة بشكل كبير في مجتمع لا يزال يعدُّ محافظاً جداً. فهناك حديث عن استخدام الواقي الذكري وسط الشباب وإحصائية مخيفة عن أعداد أطفال المايقوما وما استوقفني شخصياً مقال لإحدى الكاتبات بعنوان«عبيد» ختف و«الشحدة» في الشارع العام!! تقول فيه «فبعض الفتيات يرتدين الحجاب في الخرطوم، ولكنهن لم يسلمن من سوء أخلاق بعض الشباب و«مد القرعة». ومع احترامي الشديد للأخت صاحبة المقال وتقديري لنصحها لبنات جنسها وبلدها إلا أنني لا أتفق معها في استخدام بعض العبارات التي وردت هنا وليتها استخدمت الكناية بدلاً من التصريح لأن اللفظ إذا جاء على لسان شخص معروف صار أكثر تداولاً لدى العامة، ولذلك ينبغي علينا أن نتوخى الحياء في تناولنا لمثل هذه الأمور.
إن مجرد الحديث عن استخدام الواقي الذكري قد يوحي لبعض ضعاف النفوس كأنما نقول لهم افعلوا ما شئتم ببنات الناس شريطة ألا يؤدي ذلك إلى زيادة عدد أطفال المايقوما. ولذلك أتساءل: يا ترى هل نحن في الخرطوم أم في لاس فيجاس؟ وهل صار المجتمع السوداني حقاً مجتمعاً تمارس فيه الرذيلة على قارعة الطريق؟ إذا كان الأمر كذلك فعلى الدنيا السلام! وهل هذا الفساد يوجد في الخرطوم وحدها أو في سائر مدن البلاد الأخرى؟ هل صار حلم بعض فتياتنا فقط اصطياد رجل يملأ الفراش لليلة واحدة، يذهب بعدها الشرف والعفة مقابل عشاء في مطعم تركي فاخر أو شيء قليل من المساحيق أو كريمات تبييض البشرة التي قد تضرُّ بالصحة؟ هذا إذاً مرض وليس نتيجة للفقر والحاجة لأن هناك كثيراً من الفقيرات لا يفكرن أبداً بمثل هذا المنكر. إذا كان الحال كما ذكر، فلا بدّ من القيام بإجراءات استباقية للحد من الظاهرة؛ أولها وضع نظام صارم وتطبيقه بكل حزم وصلابة، وأي دين ندعي إذا لم نحارب الرذيلة ونحافظ على أعراض الناس؟ ولابد من قيام منظمات المجتمع المدني بأدوار كبيرة ومقدرة؛ فمثلاً لا يكفي أن يقتصر دور الإعلام فقط على تناول الظاهرة وعرضها على الناس، بل يجب عليه نشر الوعي وإبراز القدوة الحسنة بالتعاون مع الأجهزة المختصة. وتظل مراقبة الشخص لربه هي الرادع والمانع الأقوى من الوقوع في المعاصي. ومن هنا يجئ دور الجهات التربوية والإشرافية من بيت ومدرسة واتحادات الطلاب التي يجب عليها بذل جهد مقدر لتقديم النصح والإرشاد للشباب. ومهما كانت الأسباب فنحن لن ننفك متمسكين بالقول المشهور«تجوع الحرة ولا تأكل بثديها». وعموماً من واجب الدولة وبكل الوسائل توفير العيش الكريم للشعب حتى لا تضطر الأسرة أوالفتاة لممارسة الرذيلة من أجل كسب لقمة العيش وهذا ليس مستحيلاً إذا أعدنا النظر في توزيع الفرص واستخدمنا عائدات الزكاة والصناديق الأخرى وخصصنا موارد لشرائح بعينها بغية النهوض بوضعها المعيشي، مع علمنا بأن كثيراً من الفتيات يفعلن ذلك لأسباب لا صلة لها بالفقر والعوز. ولعل فكرة التمويل الأصغر والأسر المنتجة قد تسهم إلى حدٍ ما في معالجة مشكلة الفقر والبطالة، وبالتالي تقلل من ممارسة الرذيلة إذا اعتبرنا الفقر أحد الدوافع لذلك. ومهما يكن فإن عواقب هذه الأفعال لا تتوقف عند زيادة أطفال المايقوما بل علينا أن نتذكر الحديث «ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت» وربما يكون ذلك بسبب المرض أو الفتن لأن هذا الفعل عادة تشترك فيه جهات كثيرة ليس فقط الأم التي ربما تكون ضحية لذئب بشري أغراها بالكلام المعسول أو ربما تكون قد أغوته هي أيضاً! ولهذا فإن المسؤولية لا تقع على جانب واحد والعلاج يكمن في تكاتف الجهود وحسن القصد إلى الله.
بقلم/ محمد التجاني عمر قش ـ الرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق