الأربعاء، 2 فبراير 2011

التأمين الصحي، «مش ولا بد»





لو سألتني ما معنى «مش ولا بد» وما مصدرها لارتجفت،لأني لا أعلم أصلها ولا قصتها وهي ليست عربية فصيحة ولكن كثيراً من الناس يستعملونها عندما لا يمتلكون الرضا التام عن شيء ما. صار صرف بطاقات التأمين الصحي هم الرؤساء والولاة والوزراء وكأنه إنجاز في حد ذاته.
كم تمنيت لو وقف على التأمين الصحي من يعرف محاسنه وعيوبه ولا تنتهي مسؤولية ولاة الأمر بصرف البطاقة. ثم ماذا بعد البطاقة وما هي ميزاتها وما هي عيوبها وهل ستنتهي مسؤولية المسؤول أمام الله بصرف البطاقة؟
وللذين لا يعرفون كثيرًا عن التأمين الصحي ولا يسمعون به إلا في النشرات، نقول التأمين الصحي جاءت الضرورة إليه بعد أن تخلّت الدولة عن العلاج المجاني «وحق لها أن تتخلى عن العلاج المجاني وهو ليس معمولاً به في أغنى الدول، أمريكا مثلاً» ولكن هذا لا يعفي الدولة من معالجة المسألة حيث لا يعقل أن لا يكون للناس حق العلاج وكيف يرضى حاكم بأن يتضور محكومه مرضاً ولا يجد علاجاً؟ فكرة التأمين الصحي في أبسط صورها هي أن يقوم المجتمع بالتكافل وتقوم الحكومة بالترتيب والعون، حيث يدفع المؤمَن مبلغاً كصندوق تعاوني يتعالج منه كل من يحتاجه من المشتركين بعد أن يدفع المشترك 25% من قيمة العلاج أو الدواء.
وتطور هذا التأمين على طريقة الحج فصار منه تأمين vip وتقوم به شركات حكومية ليس للشعب فيها نصيب يُرى ويستفيد من هذا التأمين عِلية القوم درجة ثانية، حيث إن درجة أولى لا يتعالجون في السودان بل الأردن هي مكان علاج نزلات البرد، وألمانيا للعظام وبريطانيا للقلب وهلم جرا. وتتدرج درجات هذه الشركات التي تقوم بالتأمين الصحي كل حسب وظيفته ومركزه. هذه ليس لنا عليها كبير حجة غير أن شيكان شركة حكومية لكل فرد فيها نصيب سيسأل الله القائمين عليها يوم القيامة عن التاية وندى.
وهناك التأمين الحكومي وتقوم به إدارة التأمين الصحي غير أن ولاية الخرطوم يوم كان المتعافي واليها استكثر دخل تأمين ولاية الخرطوم أن يذهب لخارجها وأنشأ شوامخ لولاية الخرطوم فقط وإن ساعدته القوانين ولكنه ظلم الريف تماماً كعادة الخرطوم الظالمة لكل السودان والتي قال فيها محمد المكي إبراهيم قبل 50 سنة «ما أتعس رأساً مشلول الأقدام».
تجربة التأمين الصحي رغم مديد عمرها ولكنها تحتاج لمراجعة، فالتأمين الآن تقتله البيروقراطية، الحصول على البطاقة مشكلة، ولو دفعت، ومكان استخدامها مشكلتان، على سبيل المثال لو كنت من أهل بتري التي تبعد عن الخرطوم 20 كلم وهي تابعة لولاية الجزيرة عليك أن تذهب لمدني 160 كلم لتحولك للخرطوم. ثم إن حكاية بعض الأمراض لا يشملها التأمين تحتاج وقفة وبعض العلاجات لا يشملها التأمين تحتاج وقفتين، وإلا أروني كيف يمكن أن اختار المرض الذي يناسب دخلي؟
على موزعي البطاقات أن يتأكدوا من جدواها أولاً.

ليست هناك تعليقات: