ما كنت أظن أن يأتي يوم يكون فيه الأستاذ ياسر عرمان عنواناً لمقال لي. لكن بعد أن قرأت استقالته من موقع المستشار السياسي للسيد رئيس الوزراء توقفت كثيراً مستمتعاً بأسلوبه السلس وعتابه المؤدب لرئيس الوزراء الذي لم يسأل عنه، وما أظنه قال له الحمد لله على السلامة، بعد خروجه من المعتقل، عموماً العتاب كان لطيفاً، ولو زاد عليه إحساناً بالظن مشغوليات السيد رئيس الوزراء الذي لم يجد له وزراء طوال مدة الثلاثة أسابيع.
كل هذا ليس سبب المقال، ولكني توقفت عند زهده فقد سكنَ منزله وركبَ سيارته، ولم يستلمْ مليماً عفواً سنتاً من دولارات الاتحاد الأوروبي الكفيل الجديد. ولعمري المخصصات السائبة للسياسيين هي أس بلاء السياسة على مر العهود، ولكنها في الإنقاذ كانت الأسوأ، حيث أصبحت السياسة مصدر غنى بالحلال عبر القوانين الهشة من نوع من بيده القلم ما بكتب نفسه شقي، أو استغلال المنصب أو التمكين أو السرقة من قوت الشعب. (بالله ادخلوا قوقل واسألوا عن مخصصات الدستوريين، شوفوا بنود محيرة علاج بالخارج له ولأسرته، وتذاكر لأي بلد تصله سودانير، وهناك بند كُتب. لا نفسد عليكم شهوة التصفح).
ويا ما سمعنا بتغيير أثاث المنزل الحكومي لكل قادم جديد، وتغييره بالمليارات إرضاءً لشهوات نساء السياسيين الفطيرين الذين يظنون أنهم خالدون فيها أبداً. (بالله الذي غير أثاث المنزل بعدة مليارات، ولم يهنأ به غير عدة أشهر أعقبها اعتقال ونوم على البلاط ألا يكفي عظةً؟)
الأستاذ ياسر عرمان سجل موقفاً محترماً، ونتمنى أن يكون الوزراء القادمون المؤقتون، إما بالفترة الانتقالية أو بالبيان الأول، أن يعوا الدرس ويسكنوا بيوتهم ويركبوا سياراتهم، ويزهدوا في دم الغلابى هذا، فما عادت فيه صفائح ولا كريات، فقط ماء أصفر. والذي ينتهج هذا النهج الزاهد سيحفظ نفسه من تقلبات الزمان ويطعم أولاده حلالاً.
روى أحدهم عندما انتهت الفترة الانتقالية (سوار الدهب/الجزولي) وجد صديقه الذي تحول إلى الوزير السابق حزيناً كئيباً. يا فلان زعلان مالك مكتبك الخاص أجمل من مكتب الوزارة، وسيارتك أفخم من سيارة الوزارة مالك مدبرس. والله يا كمال كلامك صاح، لكن الوزير قام، الوزير جلس، الوزير جاء حاجة ما تخلص حلاوتها.
الأستاذ ياسر زاد الصورة بهاءً حين تبرع إن كانت له استحقاقات مالية على الحكومة، فإنه متبرع بها إلى مستشفى طابت، مستشفى منطقته، شكراً (بدلاً عن جزاه الله خيراً).
بالمناسبة مررت يوماً على صديقي محمد عبد العاطي في مشتله بالحصاحيصا، ومعي بنتي قلت لبنتي: هذا هو الشيوعي الوحيد الذي صوّت له في حياتي. وكان ذلك في واحد من انتخابات اتحاد طلاب كلية التربية، وفاز 19 من الإسلاميين، وشيوعي واحد هو محمد عبد العاطي الذي فاز بعلاقاته الطيبة مع الناس وليس بفكره.