الخميس، 5 مايو 2011

غيّرها الجفاف «3»

بواسطة: مدير الموقع
بتاريخ : الجمعة 29-04-2011 08:44 صباحا

ما هي أسباب الجفاف والتصحر؟
تعد ظاهرة التصحر من المشاكل الكبيرة ذات الآثار السلبية لعدد كبير من دول العالم. وخاصة تلك الواقعة تحت ظروف مناخية جافة أو شبه صحراوية. وعلى الرغم من قدم ظاهرة التصحر إلا أنها تفاقمت في السنوات الأخيرة حتى أصبحت تهدد مساحات كبيرة جداً وأعداداً هائلة من البشر بالجوع والتشرد والقحط. والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً ما هي أسباب تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة؟ عملياً يرجع المختصون هذه الظاهرة إلى سببين هما الظروف المناخية والنشاط البشري من زراعة ورعي وغيرها. وبما أن حديثنا في هذه الحلقات ينحصر في شمال كردفان دعونا نلقي نظرة على هذه الأبيات لعلها تعطينا فكرة واضحة عن دور البشر في تدمير البيئة عبر ممارسات غير مرشدة ظلت سائدة لآلاف السنين، تقول الحكّامة التاية بت زمل:
يا سيد مية وخمسين دار
كان درت العيش أم ضبان مع أبو حجار
وكان درت الملح القاعات مع شرشار
وكان درت المْا العاديك برا محفار
فهذه الأبيات تعكس النشاط الاقتصادي بكل مكوناته من زراعة ورعي ونشاط صناعي في المنطقة عموماً؛ لأن أم ضبان وأبو حجار والقاعات وشرشار قرى معروفة اشتهرت كل منها بالنشاط البشري الذي يمارس فيها؛ أما العاديك فهو مشرع أو مورد دار حامد الذي كانت ترده القبائل من كل حدب وصوب ويرمز هنا إلى الرعي. ولعل أخطر هذه الأنشطة على الإطلاق هو إنتاج الملح من ماء الآبار حيث تسبب في قطع مساحات شاسعة من الغابات وبالتالي تدمير سريع للغطاء النباتي في هذه المناطق وما يصاحبه من تعرية للتربة وضعف القدرة البيئية. وتشير بعض المصادر والروايات الشفوية إلى أن الجفاف ليس جديداً على شمال كردفان فقد سكن هذه المنطقة قديماً قوم يطلق عليهم «أبو قنعان» وكانوا أثرياء يستخرجون الذهب و يصهرونه بالحطب فحلت بهم مجاعة أدت إلى ارتفاع سعر الذرة حتى أصبح وزنها بالذهب؛ ولذلك هلكوا من الجوع وانقرضوا إثر موجة جفاف عارمة؛ وإليهم يعود المثل الذي يقول « لو لقينا الكيل بالكيل ما رحنا بالميل». وفي وقت لاحق مارس سكان المنطقة خاصة القرعان استخراج الحديد الذي كان يصهر بالحطب وساهم ذلك أيضاً في تحول المنطقة إلى صحراء بعد أن كانت تغطيها الغابات الكثيفة والنباتات. ويفيد تقرير صادر من الأمم المتحدة أنه «عبر التاريخ، شهدت منطقة شمال إفريقيا التي يتراوح مناخها بين المناخ الصحراوي والمناخ شبه الرطب، العديد من موجات الجفاف المتفاوتة الحادة التي كان لبعضها آثار وخيمة. ومنذ عام 1980، شهدت بلدان شمال إفريقيا انخفاضاً في معدلات سقوط الأمطار تراوحت نسبته بين 25 و50 في المائة». وكان لذلك أثر واضح على شمال كردفان خصوصاً. كما أن اعتماد الناس على الأشجار والنباتات من أجل البناء قد كان له أثره في اختفاء هذا الغطاء الحيوي المهم وبالتالي أسهم في التدهور البيئي والتصحر. وصدق ربُّ العزة والجلال حيث قال (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) «الروم 41» والفساد المقصود هو اضطراب المناخ والتلوث وغيره من الظواهر الكونية والكوارث التي تضرُّ بالأرض بفعل النشاط البشري وعدم اهتمام الناس بالبيئة بكل مكوناتها من نبات وماء وحيوان وشجر، أو بسعيهم لكسب لقمة العيش بطريقة غير سليمة لا تعير اهتماماً للجوانب السالبة وربما للجهل أحياناً بانعكاس ذلك على البيئة. إذاً فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكن حل مشكلة الجفاف والتصحر؟ وهذا ما ستتناوله الحلقات القادمة.

ليست هناك تعليقات: