الاثنين، 20 أبريل 2009

لنوقف زراعة القطن.. !

لا ينكر أحد الدور الذي قام به محصول القطن في الاقتصاد السوداني طيلة القرن الماضي ويوم كنا نطلق عليه «دلعاً» الذهب الابيض. ويوم كان يتصدر قائمة صادراتنا ونزهو به حكومة وشركة ومزارعون. حال مزارع القطن الآن لاتسر صديقاً ولا عدواً وعائد المزارعين من القطن لايسد رمقاً ولايعلم طالباً ولا يعالج مريضاً. ورغم ذلك المزارعون المدمنون الذين يعملون الزراعة كعادة اجتماعية لايريدون منه فكاكاً. وجهات كثيرة تحثهم على زراعة القطن غير انه وحتى كتابة هذه السطور لم تعترف جهة بأنها المستفيد الأول من زراعة القطن وكل المستفيدين يتهمون المزارع بأنه المستفيد الأول والرابح الاكبر ولعمري هذه فرية ينفيها الواقع. واليكم المثال التالي
كنت شاهداً على توزيع عائدات القطن في مكتبنا -مكتب اللعوتة - في الموسم الماضي وحضر حفل توزيع العائدات مدير المشروع وعضو الاتحاد رئىس مجلس ادارة شركة الاقطان - وكثيرون من القيادات التنفيذية والشعبية ووزعوا عائدات القطن على العشرة الأوائل وصوروا بالكاميرات والفيديو. وهنا لنا وقفة: الأول كان عائده 9 ملايين جنيه. إذا اعتبرنا هذه الملايين التسعة هي عائد ارباح صافية فسيكون نصيبه الشهري 750 ألف جنيه لأسرة يعمل على أقل تقدير 6 من أفرادها في الحواشة السنة كلها. بمعنى أن مرتب الواحد منهم 125 ألف جنيه. هذا عائد الأول في أكثر اقسام المشروع انتاجية فكيف سيكون الطيش ولا ننسى ان هذا العائد ليس ربحاً صافياً بل هو نظير عمليات كثيرة يقوم بها المزارع واسرته مثلاً «الزراعة، والحش، والمويات، والمسح واللقيط الذي يدفع له دم قلبه فروقات تسعيرة».
الطيش ليس هو من كان صرفه من عائدات القطن صفراً بل هناك من هم دون الصفر أي عليهم ان يدفعوا أو تسجل عليهم مديونيات تخصم من السنوات القادمة ان هم اجتهدوا وتجاوزوا الصفر. هؤلاء المحتسبون الكثيرون هم ضحية اعلام جهات عديدة ما ان نقول لا لزراعة القطن بهذه الحيثيات الماثلة أمامنا إلا وتتحرك جهات كثيرة مبررة زراعة القطن بمبررات حفظناها جيداً منها:
/1 ان عدم زراعة القطن لسنة واحدة يخرجنا من السوق العالمي. ولعمري هذه حجة لا تقنعني في عهد الاتصالات فيه بلغت كل مكان وكاد العالم كله أن يكون في حالة اجتماع دائم ويعلم من زرع القطن وما هي مواصفاته وجزء من السنت يمكن أن تبيع به قطن قارة كاملة.
/2 القطن ليس سلعة اقتصادية فقط فهو حراك حياة من ترحيل وحليج وعلف حيوانات وايدي عاملة أين يذهب كل هؤلاء إذا نحن لم نزرع القطن.
3 / زراعة القطن الآن بالنسبة للمزارعين هي عادة اجتماعية والويل كل الويل لمزارع لم يستطع ان يزرع قطناً تكاد تتخطفه الألسن. وهم الذين لم يسألوا انفسهم ماذا جنوا من زراعة القطن؟

جهات كثيرة مستفيدة من زراعة القطن ولا تريد له بديلاً ولا تنظر إلاَّ بمنظار مصلحتها الضيق متجاهلة هذه الجيوش من المزارعين.
شركاء القطن الآن هم تقريباً:
المزارع - ادارة المشروع - الري - وزارة المالية «ضرائب، رسوم موانئ، قيمة مضافة، دمغات».- شركة الاقطان صاحبة 2% صافية.- المتعهدون الذين يقومون بعمليات الحرث، والرش، والترحيل - الاتحادات الفرعية والتفاتيش وحاجات تانية - العمال الزراعيون.
وبما ان الكل ينكر حصته من هذه الكيكة إلا المزارع المسكين فلنترك زراعة القطن ثلاث سنوات ونرى من المتضرر الأكبر.
وحتى لا تكون هذه دعوة للاضراب - ومعاذ الله ان ادعو للاضراب - بل في هذه السنوات الثلاث نقوم بزراعة كل البدائل المتاحة زهرة شمس، فول سوداني، كركدي، فول، عدس، حمص «كبكبي»، طماطم «بعد ان لاحت بوادر تعليب»، اعلاف ابقار. هذه السنوات ستكون بياناً بالعمل على طريقة اخواننا في الجيش لأن كثيرين لا يريدون أن يقرأوا ما كتبه المتخصصون في بدائل القطن وهم ليسوا مستعدين أصلا لطرح أي بديل يكون في عائده نصرة المزارع.
وكثير من الجهات العليا تقف عند اول تخويف من بعض الجهات بالمبررات التي اسلفنا ذكرها.
مرة أخرى نحن ندعو لبدائل بطريقة بلدية طريقة المحاولة والخطأ بعد ان وقف كثيرون في طريق تنفيذ الأبحاث العلمية وثلاث سنوات ليست فترة طويلة فهي نصف فترة السلام الانتقالية فهذا المشروع يمكن ان ينوم ويصحو في أية لحظة لأن قوامه نعم الله من ارض منبسطة وماء متدفق.
دعونا نجرب غير القطن عسى ان يغنى الله بهذه التجارب خمس السودان الذي يعيش بين النهرين في ما يسمى مشروع الجزيرة.
ولو تحسن الوضع الاقتصادي لهذا «الخُمس» سترى وزارة المالية كيف كانت هي غافلة عن هذه البدهيات. عندها سيتكفل كل أب بتعليم أولاده وصحتهم وسيخرج الزكاة وستنقل الزكاة خارج الجزيرة الخضراء وسيكون الربح ربحين.
أقول قولي هذا وأسأل الله ان يريني كل الجزيرة زهرة شمس تميل حيث مالت الشمس. وزهور كركدي بلونها الزاهي ينتظرها كل العالم وفول سوداني يعصر هنا لنرى الزيت على سابق أيامه لا تتعدى جركانته العشرة آلاف جنيه ونودع زيت الأولين المتجمد شتاءً.
مزارع 210 اللعوتة
مايو 2005 م

ليست هناك تعليقات: